أهل البيت ( عليهم السلام ) في نظر الشيعة
يأتينا الكتاب الكريم ناطقاً مبيناً بقوله جلَّ شأنه : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُم الرِّجْسَ أَهْلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) الأحزاب : 33 ، في أنه لَفَضيلَة لهم ( عليهم السلام ) ، لا يدانيهم فيها أحد من الناس كافة .
وَلا كَرامَةَ أَنْفَسَ مِن إذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم ( عليهم السلام ) من العيوب كافة ، فذاك التطهير الذي يريده اللطيف تعالى لهم ( عليهم السلام ) بعنايته غير مقيَّد برجسٍ خاصٍّ ولا من شيء مُعيَّن ، فيدل على عموم تطهير ( عليهم السلام ) من كل ذنب وعيب .
ويستفاد من هذه الآية الشريفة عصمة أهل البيت ( عليهم السلام ) لأنَّ كلَّ ذنب رجس ، وارتكاب الذنوب لا يجتمع مع إذهابها عنهم وطهارتهم منها ، فهم إذن بحكم هذه الآية مطهَّرون من الأرجاس والذنوب .
وهل العصمة شيء وراء هذا ؟ نعم ، وإنما الشأن كلُّه في المعنيِّ بهذه الفضيلة التي امتازوا بها على جميع الأمَّة ، فهل هُم ( عليهم السلام ) الذين كانوا في البيت حين نزلت هذه الآية الكريمة ؟ أم كلُّ مَن يَمُتُّ إلى الرسول الأطهر ( صلى الله عليه وآله ) بسبب أو نسب ؟
فإن قيل بالقول بالثاني فالواقع شاهد على خلافه ، لأنَّا نجد في نسائه من خالفته وتظاهرت عليه ، ولا رجس أعظم من ذاك ، فلابدَّ من أن يكون نساؤه غير معنيَّات بها ، واستثناء بعض النساء دون بعض تَحَكُّم .
هذا فيمن يَمُتُّ إليه ( صلى الله عليه وآله ) بالسبب ، ونجد البعض ممَّن يمتُّ إليه بالنسب يداني الموبقة ، ويقارب الجريمة ، ولا يصحُّ أن يريد القدير سبحانه شيئاً بالإرادة التكوينية ثم لا يقع .
فلما كان مستحيلاً أن يريد تكوين شيء فلا يكون عرفاً أن النساء وعامَّة الهاشميِّين غير مقصودين من الآية ، لإتيانهنَّ وإتيانهم ما ينافي التطهير ، على أنه لم يقل أحد بعصمة نسائه والهاشميِّين عامَّة .
ولو كان المقصود بها الإرادة التشريعيَّة فلا وجه لإرادة التطهير من أهل البيت ( عليهم السلام ) خاصَّة ، لأنه تعالى يريده من الناس كافة ، فاختصاصه بهم ( عليهم السلام ) على وجه الميزة والفضيلة يدلُّنا على تكوينه فيهم .
ثم إن الإرادة التشريعية إنما تتعلَّق بفعل الغير ، ومتعلَّقها في الآية فعل الله تعالى نفسه ، ولو كانت الإرادة تشريعية لقال : لتذهبوا وتطهروا أنفسكم ، فلا شكَّ في أن المَعنِيَّ من الآية هو المعنى الأول ، أي أن المقصود منها أُنَاس مخصوصون ، وهم الذين كانوا في بيت سيد الرسُل ( صلى الله عليه وآله ) ، وقد جلَّلَهم بكسائه والتحف معهم به ، فنزلت هذه الآية عليهم وفيهم ( عليهم السلام ) .
وهم عليٌّ وفاطمةُ وابناهما الحسن والحسين ( عليهم السلام ) ، وأكدت على ذلك صحاح الأحاديث من طرق الفريقين ، ولو لم يكن هناك نقل يدلُّ بصراحته على اختصاص هذه الصفوة الكريمة بهذه الآية الشريفة لَكَانت آثارهم ( عليهم السلام ) أكبر برهان على هذا الاختصاص ، فإن أفعالهم وأقوالهم ( عليهم السلام ) ترغمنا على الاعتراف بتلك النزاهة لهم .
وما خفيت هذه الحقيقة الناصعة على أهل البصائر من بدء نزول هذه الآية المحكمة حتى اليوم ، فكان أهل البيت ( عليهم السلام ) عندهم أهل الكساء خاصَّة ، الذين حُبُوا بمكارم لا يأتي عليها الحصر ، وكان منها الطهارة من العيوب ، وذهاب الأرجاس والذنوب ، نعم ربما استغلَّ بعض الهاشميِّين ومنهم العباسيون ظاهر عموم كلمة : ( أَهْلَ البَيْتِ ) ، لتحقيق مآربهم والوصول إلى العروش .
فكان الهاشميون عامة يدلون على الناس بهذه الآية ، كما كان اسم التشيع أيضاً قد يُستغل ، فيراد به ولاء عليٍّ وأهل البيت ( عليهم السلام ) بالمعنى العام ، لا خصوص أصحاب الكساء والأئمة من أولاد الحسين ( عليهم السلام ) ، إلا عند الذين لا تجرفهم سيول الرعاع ، ولا يعدل بهم عن الحقِّ الصخب أو الضغط .
وما عرفت الناس التشيع بولاء هؤلاء الأئمة خاصة إلا بعد أن خَيَّم السكون على الناس بعد الثلث الأول من الدولة العباسية عندما هدأ العلويون ، وتقلَّصت ثوراتهم ، فتمخَّض القول وقتذاك بأهل البيت لهؤلاء السادة الأئمة .
وشَاهِدُنَا على ذلك أن بني العباس ما دَبُّوا دَبِيب النمل على الصفا لارتقاء عروش المُلك وتحطيم دعائم الدولة المروانية إلا بذلك الإسم ، بزعم أنهم أهل البيت الأقربون إلى صاحب الرسالة ، ليعطفوا بذلك عليهم قلوب الشيعة ، ويتخذوا منهم فعلة لبناء الكيان لسلطانهم ، وهدم بناء الدولة الأموية التي قاومت أهل البيت ( عليهم السلام ) وشيعتهم طيلة أيامها ، وصبغت وجه الأرض من دمائهم المسفوحة .
وما كان ليتمَّ لِبَنِي العباس ما أملوه لولا ادعاؤهم ذلك ، ولو لم يكن الذين نهضوا بهم واتخذوا منهم جسراً عبروا عليه إلى مآربهم شيعة لأهل البيت ( عليهم السلام ) ، من دون تفريق بين العباسي والطالبي ، ولا بين العلوي والجعفري والعقيلي ، ولا بين الحسني والحسيني .
وهكذا كانت الدعوة والنهضة من كل هاشمي كنهضة عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بـ ( الكوفة ) ، ثم بـ ( فارس ) ، وفيهما أولياء لأهل البيت ( عليهم السلام ) ، وقد قضى عليه أبو مسلم بعد تَفَرُّقِ الناس عنه والتجائه إليه .
وما كان من زيد وابنه يحيى من النهضة ، ولا من الأخوين محمد وإبراهيم من الدعوة ، إلا لأنهم من أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وأن غاياتهم من الدعوة أخذ التراث من أعداء أهل البيت ( عليهم السلام ) .
ولكن قد وضح للناس بعد ذلك أن بني العباس ليسوا من أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وذلك حين سَلَّوا سيفَ البغي على أهل البيت ( عليهم السلام ) قربى الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، وعرف الناس أن الدعوة من بني العباس لقلب دولة أُميَّة باسم الثأر لقتلى الطف ، وصليب الكناسة ، والجوزجان ، وغيرهم كانت سبيلاً للوصول إلى أُمنيتهم المقصودة .
لأنه بعد أن بنوا من جماجم أولئك الأغرار من مُحِبِّي أهل البيت ( عليهم السلام ) قواعد سلطانهم ظهرت كَوَامِنُ صدورهم ، وما قصدوه من الوليجة إلى غاياتهم ، حتى أن محمداً وإبراهيم اختَفَيَا عند قبض السفاح عن أَعِنَّةِ الحكم ، وما اختفيا إلا لما يعلمانه من سوء نواياه مع الأدنِينَ من الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، والشواهد على ذلك من ضغطهم على أهل البيت ( عليهم السلام ) وشيعتهم ( رضوان الله عليهم ) أكثر من أن تحصر .