فاطمة المعصومة عليها السلام
بنت الإمام الكاظم عليه السلام
اسمها ونسبها :
السيدة فاطمة المعصومة بنت الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليهم السلام، سليلة الدوحة النبوية المطهرة، وغصن يافع من أغصان الشجرة العلوية المباركة، وحفيدة الصديقة الزهراء عليها السلام المحدِّثة، العالمة، العابدة .
اختصتها يد العناية الإلهية فمنت عليها بأن جعلتها من ذرية أهل البيت المطهرين سلام الله عليهم أجمعين . وقد ورد في بعض التواريخ أن الإمام الرضا عليه السلام لقبها بالمعصومة .
ولادتها ونشأتها :
وُلدت السيدة المعصومة عليها السلام في المدينة المنورة في الأول من شهر ذي القعدة 173 هـ على أصح التواريخ .
وترعرت في بيت الإمام الكاظم عليه السلام، فورثت عنه من نور أهل البيت عليهم السلام وهديهم وعلومهم في العقيدة والعبادة والعفة والعلم ، وعُرِّفت على ألسنة الخواص بأنها : كريمة أهل البيت عليهم السلام .
نشأت السيدة فاطمة عليها السلام تحت رعاية أخيها الإمام الرضا عليه السلام، لأن الرشيد العباسي أمر أباها عام ولادتها، فأودعه سجونه الرهيبة الواحد تلو الآخر، إلى أن اغتاله بالسم عام 183هـ . فعاشت السيدة المعصومة مع إخوتها وأخواتها في كنف الإمام الرضا عليه السلام . وقد أجمع أصحاب السير والتراجم على أن أولاد الإمام الكاظم عليه السلام كانوا أعلاماً لائحة في العبادة والتقوى والنُّسك .
من كراماتها :
نقل مؤلف كتاب : [ كرامات معصومية ] عن أحد المهاجرين العراقيين : حَدَث يوماً أن وُصف لي طبيب حاذق، فاصطحبت والدتي له، فعاينها ووصف لها علاجاً، ثمّ إني عُدت بوالدتي إلى البيت، وبدأت بحثي عن الدواء الذي وصفه لها، فما وجدته إلا بعد عناء ومشقة عظيمة .
ولما كنت في طريقي إلى المنزل، وقع بصري على القبة المقدسة للسيدة المعصومة عليها السلام، فألهم قلبي زيارتها والتوسل بها إلى الله تعالى، فدخلت الحرم المطهر، وألقيت بالأدوية جانباً.
وخاطبت السيدة بلوعة وحُرقة : يا سيدتي، لقد كنا في العراق نلجأ إلى أبيكِ باب الحوائج في كل شدة وعُسر، ونستشفع به إلى الله تعالى في قضاء حوائجنا، فلا نعود إلا وقد تيسر لنا عسيرُها، وها نحن لا ملجأ لنا هنا إلاكِ، وها أنا سائلك أن تشفعي في شفاء أمي مما ألم بها .
قال : ولقد منّ الله تعالى على والدتي بالشفاء في نفس ذلك اليوم ببركة بنت موسى بن جعفر عليهم السلام، فاستغنينا عن الدواء .
ظروفها الاجتماعية والسياسية :
ولدت السيدة المعصومة في عهد الرشيد العباسي، ففتحت عينيها منذ صغرها على وضع سلطوي إرهابي، فلقد قامت أركان الدولة العباسية على أنقاض الدولة الأموية، وتستر العباسيون وراء شعار رفعوه في بداية أمرهم هو : ( الرضا من آل محمد )، ليوهموا طائفة من المسلمين الموالين لأهل البيت عليهم السلام .
لكنهم ما إن تسنموا سدة الحكم واستتبت لهم الأمور حتى انقلبوا على أهل البيت عليهم السلام وامتدّت أيديهم بالقتل والبطش والقمع لكل من يمت لهذه الدوحة العلوية الشريفة بصلة، فلاحقوا أئمة أهل البيت عليهم السلام وقتلوهم وسجنوهم .
رحلتها إلى خراسان :
اكتنفت السيدة المعصومة عليها السلام - ومعها آل أبي طالب - حالة من القلق الشديد على مصير الإمام الرضا عليه السلام منذ أن استقدمه المأمون إلى خراسان .
فقد كانوا في خوف بعدما أخبرهم أخوها أبو الحسن الرضا عليه السلام أنه سيستشهد في سفره هذا إلى طوس، خاصة وأن القلوب ما تزال تدمى لمصابهم بالكاظم عليه السلام الذي استـقدم إلى بغداد، فلم يخرج من سجونها وطواميرها إلا قتيلاً مسموماً .
كل هذا يدلنا على طرف مما كان يعتمل في قلب السيدة المعصومة عليها السلام، مما حدا بها - حسب رواية الحسن بن محمد القمي في تاريخ قم - إلى شد الرحال، إلى أخيها الرضا عليه السلام .
وفاتها :
رحلت السيدة المعصومة عليها السلام تقتفي أثر أخيها الرضا عليه السلام، والأمل يحدوها في لقائه حياً، لكن وعثاء السفر ومتاعبه اللذينِ لم تعهدهما كريمة أهل البيت عليها وعليهم السلام أقعداها عن السير .
فلزمت فراشها مريضة مُدنَفة، ثم سألت عن المسافة التي تفصلها عن قم - وكانت آنذاك قد نزلت في مدينة ساوة - فقيل لها إنها تبعد عشرة فراسخ 70 كيلو متراً، فأمرت بإيصالها إلى مدينة قم، فحملت إليها على حالتها تلك، وحطت رحالها في منزل موسى بن خزرج بن سعد الأشعري، حتى توفيت عليها السلام بعد سبعة عشر يوماً .
وفي أصح الروايات أن خبرها لما وصل إلى مدينة قم، استقبلها أشراف قم، وتقدمهم موسى بن خزرج، فلما وصل إليها أخذ بزمام ناقتها وقادها إلى منزله، وكانت في داره حتى تُوفيت في سنة 201 هـ، فأمرهم بتغسيلها وتكفينها، وصلى عليها، ودفنها في أرض كانت له، وهي الآن روضتها، وبُني عليها سقيفة من البَواري، إلى أن بَنَت زينب بنت محمد الجواد عليه السلام عليها قبّة .