عقيدتنا في معنى التشيُّع عند آل البيت
إنّ الائمّة من آل البيت (عليهم السلام) لم تكن لهم همّة ـ بعد أن انصرفوا عن أن يرجع أمر الاُمَّة إليهم ـ إلاّ تهذيب المسلمين، وتربيتهم تربية صالحة كما يريدها الله تعالى منهم، فكانوا مع كلِّ من يواليهم ويأتمنونه على سرّهم يبذلون قصارى جهدهم في تعليمه الاحكام الشرعية، وتلقينه المعارف المحمدية، ويعرّفونه ما له وما عليه.
ولا يعتبرون الرجل تابعاً وشيعة لهم إلاّ إذا كان مطيعاً لامر الله،
____________
(1) آل عمران: 169.
مجانباً لهواه، آخذاً بتعاليمهم وإرشاداتهم.
ولا يعتبرون حبّهم وحده كافياً للنجاة، كما قد يمنّي نفسه بعض من يسكن إلى الدعة والشهوات، ويلتمس عذراً في التمرّد على طاعة الله سبحانه، إنّهم لا يعتبرون حبهم وولاءهم منجاة إلاّ إذا اقترن بالاعمال الصالحة، وتحلّى الموالي لهم بالصدق والامانة والورع والتقوى.
«يا خيثمة، أبلغ موالينا أنّه لا نغني عنهم من الله شيئاً إلاّ بعمل، وأنّهم لن ينالوا ولايتنا إلاّ بالورع، وإنّ أشدّ الناس حسرة يوم القيامة من وصف عدلاً ثمّ خالفه إلى غيره»(1).
بل هم يريدون من أتباعهم أن يكونوا دعاة للحق، وأدلاّء على الخير والرشاد، ويرون أنّ الدعوة بالعمل أبلغ من الدعوة باللسان: «كونوا دعاة للناس بالخير بغير ألسنتكم، ليروا منكم الاجتهاد والصدق والورع»(2).
ونحن نذكر لك الان بعض المحاورات التي جرت لهم مع بعض اتباعهم، لتعرف مدى تشديدهم وحرصهم على تهذيب أخلاق
____________
(1) الكافي 2/140.
(2) الكافي 2/64.
الناس:
1 ـ محاورة أبي جعفر الباقر (عليه السلام) مع جابر الجعفي:
«يا جابر، أيكتفي من ينتحل التشيُّع أن يقول بحبنا أهل البيت؟! فو الله ما شيعتنا إلاّ من اتّقى الله وأطاعه.
وما كانوا يعرفون إلاّ بالتواضع، والتخشُّع، والامانة، وكثرة ذكر الله، والصوم، والصلاة، والبر بالوالدين، والتعاهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والايتام، وصدق الحديث، وتلاوة القرآن، وكفّ الالسن عن الناس إلاّ من خير، وكانوا أُمناء عشائرهم في الاشياء.
فاتقوا الله واعملوا لما عند الله، ليس بين الله وبين أحد قرابة، أحب العباد إلى الله عزّوجل أتقاهم وأعملهم بطاعته.
يا جابر، والله ما نتقرّب إلى الله تبارك وتعالى إلاّ بالطاعة، وما معنا براءة من النار، ولا على الله لاحد من حجّة، من كان لله مطيعاً فهو لنا ولي، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدو، وما تنال ولايتنا إلاّ بالعمل والورع»(1).
____________
(1) الكافي 2/60.
2 ـ محاورة أبي جعفر (عليه السلام) أيضاً مع سعيد بن الحسن:
أبو جعفر (عليه السلام): «أيجيء أحدكم إلى أخيه فيدخل يده في كيسه فيأخذ حاجته فلا يدفعه؟».
سعيد: ما أعرف ذلك فينا.
أبو جعفر (عليه السلام): «لا شيء إذن».
سعيد: فالهلاك إذن!
أبو جعفر (عليه السلام): «إنّ القوم لم يعطوا أحلامهم بعد»(1).
3 ـ محاورة أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) مع أبي الصباح الكناني:
الكناني لابي عبد الله: ما نلقى من الناس فيك؟!
أبو عبد الله: «وما الذي تلقى من الناس؟» الكناني: لا يزال يكون بيننا وبين الرجل الكلام، فيقول: جعفري خبيث.
أبو عبد الله: «يعيّركم الناس بي؟!».
الكناني: نعم أبو عبد الله: «ما أقل والله من يتّبع جعفراً منكم، إنّما أصحابي
____________
(1) الكافي 2/139.
من اشتدّ ورعه، وعمل لخالقه، ورجا ثوابه، هؤلاء أصحابي!»(1).
4 ـ ولابي عبدالله (عليه السلام) كلمات في هذا الباب نقتطف منها مايلي:
أ ـ «ليس منّا ـ ولا كرامة ـ من كان في مصر فيه مائة ألف أو يزيدون، وكان في ذلك المصر أحد أورع منه»(2).
ب ـ «إنّا لا نعدّ الرجل مؤمناً حتّى يكون لجميع أمرنا متّبعاً ومريداً، ألا وإن من اتباع أمرنا وإرادته الورع، فتزيَّنوا به يرحمكم الله»(3).
جـ ـ «ليس من شيعتنا من لا تتحدَّث المخدَّرات بورعه في خدورهن، وليس من أوليائنا من هو في قرية فيها عشرة آلاف رجل فيهم خلق لله أورع منه»(4).
د ـ «إنّما شيعة جعفر مَن عفّ بطنه وفرجه، واشتد جهاده، وعمل لخالقه، ورجا ثوابه، وخاف عقابه ; فإذا رأيت أولئك فأُولئك
____________
(1) الكافي 2/62.
(2) الكافي 2/63.
(3) الكافي 2/63.
(4) الكافي 2/64.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]