الإمام و يزيد:
أمر يزيد بإدخال الأسرى مربوطين بالحبال وكان منظرهم مؤلما.
قال زين العابدين عليه السلام:
"ما ظنّك يا يزيد برسول الله وأنا على مثل هذه الحالة".
فبكى الحاضرون.
وصعد أحد الجلاوزة على المنبر بأمر يزيد وراح يسبّ عليا والحسن والحسين عليهم السلام ويثني على معاوية ويزيد.
فالتفت الإمام وخاطبه غاضبا:
"ويلك أيها المتكلّم لقد اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق فتبوّأ مقعدك من النار".
ثم التفت إلى يزيد وقال:
"أتسمح لي أن أصعد هذه الأعواد وأتكلّم بكلمات فيها لله رضا و لهؤلاء الجلوس أجرا وثواب؟".
رفض يزيد وقال: إذا صعد المنبر لا ينزل إلا بفضيحتي وفضيحة آل أبي سفيان.
وبعد إلحاح الناس وافق يزيد.
فصعد الإمام المنبر وبعد أن حمد الله وأثنى عليه قال:
"أيها الناس أعطينا ستا و فضّلنا بسبع : أعطينا العلم والحلم والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبّة في قلوب المؤمنين وفضّلنا بأن منّا النبيّ المختار ومنّا الصدّيق ومنّا الطيّار ومنّا أسد الله وأسد رسوله ومنّا سيّدة النساء ومنّا سبطا هذه الأمة .
أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي أنا ابن مكة ومنى أنا ابن زمزم والصفا أنا ابن من أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى أنا ابن من بلغ به جبرائيل إلى سدرة المنتهى أنا ابن من دنى فتدلّى فكان قاب قوسين أو أدنى أنا ابن محمد المصطفى أنا ابن علي المرتضى".
وراح الإمام يستعرض نسبه الطاهر حتى وصل إلى وصف تفاصيل مذبحة كربلاء.
وفوجئ الناس بحقيقة ما يجري و ضجّ الناس بالبكاء.
خاف يزيد أن تنقلب الأمور عليه فأشار إلى المؤذّن ليرفع الأذان ويقطع خطاب الإمام.
هتف المؤذّن:"أشهد أن لا اله إلا الله".
فقال الإمام بخشوع:"شهد بها لحمي ودمي".
وعندما قال المؤذّن:"أشهد أن محمد رسول الله".
التفت الإمام إلى يزيد وخاطبه قائلا:
"محمد هذا جدّي أم جدّك؟ فان زعمت أنه جدّك فقد كذبت وإن قلت أنه جدّي فلم قتلت ذرّيته؟".
وقد أثار الخطاب ثم الحوار الذي دار بين الإمام ويزيد رد فعل في أوساط الناس وغادر بعضهم المسجد احتجاجا على سياسة يزيد.
خاف يزيد انقلاب الأوضاع في الشام فأمر بإعادة الأسرى إلى المدينة المنوّرة.
ندم المسلمون على موقفهم من الإمام الحسين عندما رأوا ظلم يزيد الذي ظلّ مستمرا في فساده.
وأغارت جيوشه على المدينة المنوّرة وأباحها جنوده ثلاث أيام يقتلون وينهبون وينتهكون الأعراض كما حاصرت قوّاته مكة وقصفت الكعبة بالمنجنيق وأشعلت فيها النار.
وانتقم الله من يزيد وجنوده يمطرون الكعبة بقذائف المنجنيق.
وتصدّى للخلافة بعد يزيد ابنه معاوية الذي تنازل عن الخلافة معترفا بظلم أبيه و جدّه الذي اغتصب الحق من أهله فأعلن مروان نفسه خليفة و بايعه أهل الشام.
فيما أعلن عبد الله بن الزبير خلافه في الحجاز وظلّ معتصما بالكعبة.
وفي سنة 73 للهجرة زحف عبد الملك بن مروان بجيش جرّار وحاصر مكة مرة أخرى وقصف الكعبة بالمنجنيق وقتل عبد الله بن الزبير.
اتبع عبد الملك سياسة البطش بكل من يعارضه وسلّط على البصرة والكوفة واحدا من أكثر الحكّام دمويّة وسفكا للدماء وهو الحجّاج بن يوسف الثقفي فنفّذ المذابح بحقّ الأبرياء وملأ السجون بالرجال والنساء وكان عبد الملك يراقب الإمام زين العابدين مراقبة دقيقة و كان الجواسيس يتابعون كل حركاته وسكناته.
ومع كل ذلك أمر بإلقاء القبض عليه وإرساله إلى الشام ثم أطلق سراحه فيما بعد.
الإمام و هشام:
توفي عبد الملك بعد أن وطّد الحكم لخلفه هشام وقد حجّ هشام هذا وطاف حول البيت وحاول استلام الحجر الأسود فأخفق من شدّة الزحام فجلس ينتظر ووقف حوله أهل الشام وفي هذه الأثناء أقبل الإمام زين العابدين عليه السلام وهو يفوح طيبا فطاف بالبيت فلمّا وصل إلى الحجر الأسود انفرج له الناس ووقفوا له إجلالا و تعظيما حتى إذا استلم الحجر الأسود وقبّله وانصرف عاد الناس إلى طوافهم.
كان أهل الشام لا يعرفون الإمام وعندما رأوا ذلك المشهد تساءلوا عن هويّة ذلك الرجل فتظاهر هشام بأنه لا يعرفه وقال باستياء: لا أعرفه.
وكان الفرزدق الشاعر حاضرا فارتجل قصيدة تعدّ من روائع الأدب العربي إذ قال جوابا على سؤال الشامي من هذا:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته
والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلّهم
هذا التقي النقي الطاهر العلم
هذا ابن فاطمة أن كنت جاهله
بجـده أنبـياء الله قد ختـم
وقد انزعج هشام لموقف الفرزدق فأمر بإلقائه في السجن ولكنه أطلق سراحه خوفا من لسانه.وقد أرسل الإمام هديّة إلى الفرزدق تثمينا لموقفه وقد قبلها الفرزدق تبرّكا بها