الصحابة في القرآن
يقول تعالى في سورة الفتح: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الاِنْجِيلِ كَزَرْع أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً»(1) .
فمن ينظر إلى أول الاية يرى أن الممدوحين مع رسول الله هم عموم الصحابة، لكن انظر إلى قوله تعالى: (وَعَدَ اللهُ الَّذينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ...) .
فلم يَعِدْ الله جميع الصحابة بالمغفرة والاجر، بل فقط مَنْ آمن وعمل صالحاً، ولو كان الوعد للجميع لقال: (وعدهم الله...) فتأمل.
ويقول تعالى في نفس هذه السورة: (إِنَّ الَّذينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ
____________
1) سورة الفتح: 29.
أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً)(1) .
وأنت ترى في هذه الاية أنّ الله تعالى يحذّر الناكثين بأنهم إنّما ينكثون على أنفسهم وليسوا بضارّي الله تعالى شيئاً.
ولدى قراءة سورة الحجرات تصادف هذه الاية: (إِنَّ الَّذينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَآءِ الحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَروُا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)(2) .
فانظر لوصف الله تعالى هذه الفئة من المسلمين حيث وصفهم بأبشع وصف وهو أنهم لا يعقلون، وقد وصفهم الله في صدر السورة بأنهم يرفعون أصواتهم فوق صوت النبي مع أنهم مؤمنين به (صلى الله عليه وآله وسلم).
ويقول في سورة الحجرات أيضاً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَة فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)(3) .
ومن المعلوم والمشهور أن هذه الاية نزلت في الوليد بن عقبة، وهو أخو عثمان بن عفان لامه، عندما بعثه إلى بني المصطلق فرجع وكذب على
____________
1) سورة الفتح: 10.
2) سورة الحجرات: 4 ـ 5.
3) سورة الحجرات: 6.
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)(1) ، فالله يصف الوليد بالفاسق، وأئمة السنّة يقولون إنّه عدل؟!
ويقول تعالى في سورة التوبة: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَة وَيَوْمَ حُنَيْن إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الاَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرينَ)(2) .
في هذه الاية يذكر الله ويشنّع على المسلمين فرارهم يوم حنين حيث تركوا النبي مع ثلة قليلة عدد أصابع اليد وفرّوا، وقد اغترَّ المسلمون في حنين بكثرتهم حتّى قال أبو بكر: «لن نُغلَب اليوم من قلّة»(3) .
وقال الله أيضاً مخاطباً الصحابة: (يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيْلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الاَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الاخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الاخِرَةِ إِلاّ قَلِيلٌ إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِل قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ)(4) .
1) أنظر تفسير الفخر الرازي (التفسير الكبير) في سورة الحجرات: 6، تفسير الطبري 26: 78، تفسير الدرّ المنثور 7: 555.
2) سورة التوبة: 25.
3) أنظر تفسير الفخر الرازي (التفسير الكبير) في سورة التوبة: 25.
4) سورة التوبة: 38 ـ 39. يقول الفخر الرازي في تفسير سورة التوبة: وهذا يدل أنّ كل المؤمنين كانوا متثاقلين في ذلك التكليف، وذلك التثاقل معصية. ويقول الرازي بعد ذلك، إنّ خطاب الكل وارادة البعض مجاز مشهور في القرآن.
فالله هنا يقرّع الصحابة بسبب تثاقلهم عن الغزو وكما لايخفى فإن الله تعالى توعّد الصحابة في هذه الاية بالعذاب الاليم وباستبدالهم بقوم آخرين ـ الفرس على رأي ـ إذا لم ينفروا في سبيله، فأين مدح الله للصحابة هنا؟!
وفي نفس سورة التّوبة هذه تقرأ قوله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يُلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)(1) .
المشهور أن هذه الاية نزلت في أحد الصحابة على عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو ثعلبة بن حاطب الانصاري، الذي شكا لرسول الله الفقر وطلب أن يدعو له الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بالغنى والثروة، ولمّا أعطاه الله سؤله رفض دفع الزكاة وقال: إنّها الجزية أو أخت الجزية، فأنزل الله فيه هذه الاية.
إنّ ثعلبة صحابي أنصاري عاش مسلماً مؤمناً بالله ورسوله لكنه يوصف بالنفاق كما قال تعالى; فأين عدالة الصحابة جميعاً ؟! وأين ما يدّعيه علماء
____________
1) سورة التوبة: 75 ـ 77.
أهل السنة وأئمتهم ؟! ثم يأتي من يقول: إذا انتقصت أحداً من الصحابة فأنت زنديق !! فها هو الله ينتقص بعضهم بل كثير منهم، افتونا بعلم إن كنتم صادقين.
ويقول تعالى في سورة الاحزاب: (وَإِذْ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً)(1) .
قد يقول كثير من علماء أهل السنة: إنّ هذه الاية خاصة بالمنافقين ولا دخل لها بالصحابة (وسنُبيّن أن المنافقين هم صحابة كذلك فيما بعد) ولكن من ينظر مليّاً إلى الاية فسيجدها تقصد فئتين، المنافقين ثم فئة أُخرى غير المنافقين وهم الذين في قلوبهم مرض.
يقول الله تعالى عزّوجلّ في سورة الاحزاب أيضاً: (يَا أَيُّهَا الَّذينَ ءامَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَام غَيْرَ نَاظِرينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيث إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْي مِنْكُمْ وَاللهُ لاَ يَسْتَحْي مِنَ الحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاء حِجَاب ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلاَ أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً)(2) .
وقد قال الامام الفخر الرازي في تفسيره: «القائل هو طلحة بن عبيدالله
____________
1) سورة الاحزاب: 12.
2) سورة الاحزاب: 53.
الذي قال: لئن عشتُ بعد محمّد لانكحنّ عائشة»(1) .
ويقول تعالى في آية أُخرى من سورة الاحزاب: (يَا نِسَاءَ النَّبِيّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَة مُبَيِّنَة يُضَاعَفْ لَهَا العَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً)(2) .
نعم هذا هو منطق القرآن لا قرابة بين الله وبين أحد من خلقه ولا مجاملة من الله ولا من رسوله لاحد، لا لصحابي ولا لزوجة النبيّ، إنّ أكرم الخلق عند الله أتقاهم بما في ذلك الانبياء والمرسلين، بل إنّ صحبة الرسول مسؤولية خطيرة وكذلك الزوجيّة له (صلى الله عليه وآله وسلم)، فمن لم يراعها حقّ رعايتها كان عذابه مضاعفاً لمارأى من الحق ومن هدي الرسول الكريم، فهل بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)من هاد وهل بعده من عظيم؟! ولولا رسول الله لاخذ عذاب الله كثيراً من الصحابة كما أخذ السامريّ ومن كان قبل الصحابة من أتباع وأصحاب الانبياء، ألا ترى إلى قوله تعالى: (وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ
____________
1) تفسير الفخر الرازي لهذه الاية 25: 180، تفسير الدرّ المنثور 6: 643، وأنظر تفسير الالوسي حيث يورد رواية عن ابن عباس لكنّه كعادة القوم لم يذكر طلحة بالاسم فيها وإنّما بلفظ «رجل»، ثمّ أورد إسمه في رواية ثانية حاول تضعيفها بدون أيّ دليل ! أنظر روح المعاني للالوسي البغدادي 11: 249 ـ 250.
2) سورة الاحزاب: 30.