الامبراطور المشرف العام
عدد الرسائل : 2043 العمر : 40 الموقع : دولة الامام المنتظر (عج) السٌّمعَة : 2 نقاط : 580 تاريخ التسجيل : 28/07/2008
| موضوع: َالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ السبت نوفمبر 08, 2008 12:26 pm | |
| هل يعلم تأويل القرآن غير الله سبحانه؟ تعدّ هذه المسألة من موارد الخلاف الشديد بين المفسِّرين، ومنشأه الخلاف الواقع بينهم في تفسير قوله تعالى: {وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنّا بـِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا}1، وأنّ الواو للعطف أو للاستيناف؟ قال ابن عاشور التونسي: «المراد بالراسخين في العلم، الذين تمكّنوا في علم الكتاب ومعرفة محامله، وقام عندهم من الأدلّة ما أرشدهم إلى مراد الله تعالى بحيث لا تروج عليهم الشبه. والرسوخ في كلام العرب: الثبات والتمكّن في المكان؛ يقال: رسخت القدم ترسخ رسوخاً إذا ثبتت عند المشي ولم تتزلزل، واستعير الرسوخ لكمال العقل والعلم بحيث لا تضلّله الشبه، ولا تتطرّقه الأخطاء غالباً، وشاعت هذه الاستعارة حتّى صارت كالحقيقة. فالراسخون في العلم، الثابتون فيه العارفون بدقائقه، فهم يحسنون مواقع التأويل ويعلمونه. ولذا فقوله: {والراسخون} معطوف على اسم الجلالة، وفي هذا العطف تشريف عظيم كقوله: {شَهِدَ اللهُ أنَّهُ لا إلهَ إلاّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ}2. وإلى هذا مال ابن عبّاس، ومجاهد، والربيع بن سليمان، والقاسم بن محمّد، والشافعيّة، وابن فورك، والشيخ أحمد القرطبي، وابن عطية. وعلى هذا فليس في القرآن آية استأثر الله بعلمها. ويؤيّد هذا أنّ الله أثبت للراسخين في العلم فضيلة ووصفهم بالرسوخ، فآذن بأنّ لهم مزيّة في فهم المتشابه، لأنّ المحكم يستوي في علمه جميع من يفهم الكلام، ففي أيّ شيء رسوخهم؟ وحكى إمام الحرمين عن ابن عبّاس: إنّه قال في هذه الآية: أنا ممّن يعلم تأويله. وقيل: الوقف على قوله: {إلاّ الله} وأنّ جملة {والراسخون في العلم} مستأنفة، وهذا مرويّ عن جمهور السلف، وهو قول ابن عمر، وعائشة، وابن مسعود، وأُبيّ، ورواه أشهب عن مالك في جامع العتبية، وقاله عمرو بن الزبير، والكسائي، والأخفش، والفرّاء والحنفية. ويؤيّد الأوّل وصفهم بالرسوخ في العلم، فإنّه دليل بيّن على أنّ الحكم الذي أثبت لهذا الفريق هو حكم من معنى العلم والفهم في المعضلات وهو تأويل المتشابه. على أنّ أصل العطف هو عطف المفردات دون عطف الجمل، فيكون الراسخون معطوفاً على اسم الجلالة فيدخلون في أنّهم يعلمون تأويله. ولو كان الراسخون مبتدأ، وجملة يقولون آمنّا به خبراً، لكان حاصل هذا الخبر ممّا يستوي فيه سائر المسلمين الذين لا زيغ في قلوبهم، فلا يكون لتخصيص الراسخين فائدة. قال ابن عطية: تسميتهم راسخين تقتضي أنّهم يعلمون أكثر من المحكم الذي يستوي في علمه جميع من يفهم كلام العرب، وفي أيّ شيء هو رسوخهم إذا لم يعلموا إلاّ ما يعلمه الجميع، وما الرسوخ إلاّ المعرفة بتصاريف الكلام بقريحة معدّة. وما ذكرناه وذكره ابن عطيّة لا يعدو أن يكون ترجيحاً لأحد التفسيرين، وليس إبطالاً لمقابله إذ قد يوصف بالرسوخ من يفرّق بين ما يستقيم تأويله، وما لا مطمع في تأويله»3. وقال الرازي: «وما يعلم تأويله إلاّ الله اختلف الناس في هذا الموضع، فمنهم من قال تمّ الكلام ههنا، ثمّ الواو في قوله والراسخون فـي العلم واو الابتداء، وعلى هذا القول لا يعلم المتشابه إلاّ الله، وهذا قول ابن عبّاس وعائشة ومالك بن أنس والكسائي والفرّاء، ومن المعتزلة قول أبي علي الجبائي، وهو المختار عندنا. والقول الثاني: إنّ الكلام إنّما يتمّ عند قوله والراسخون في العلم وعلى هذا القول يكون العلم بالمتشابه حاصلاً عند الله تعالى وعند الراسخين في العلم، وهذا القول أيضاً مرويّ عن ابن عبّاس ومجاهد والربيع بن أنس وأكثر المتكلِّمين»4. موقف الطباطبائي في المقام «ذهب بعض القدماء والشافعية ومعظم المفسِّرين من الشيعة إلى أنّ الواو للعطف وأنّ الراسخين في العلم يعلمون تأويل المتشابه من القرآن، وذهب معظم القدماء والحنفية من أهل السنّة إلى أنّه للاستئناف وأنّه لا يعلم تأويل المتشابه إلاّ الله، وهو ما استأثر الله سبحانه بعلمه. وقد استدلّت الطائفة الأُولى على مذهبها بوجوه كثيرة وببعض الروايات، والطائفة الثانية بوجوه أُخر وعدّة من الروايات الواردة في أنّ تأويل المتشابهات ممّا استأثر الله سبحانه بعلمه، وتمادت كلّ طائفة في مناقضة صاحبتها والمعارضة مع حججها. ما ينبغي للباحث أن يتنبّه له في المقام أنّ المسألة لم تخل عن الخلط والاشتباه من أوّل ما دارت بينهم ووقعت مورداً للبحث، فاختلط المعنى المراد من المتشابه بتأويل الآية كما ينبئ به ما عنونّا به المسألة وقرّرنا عليه الخلاف وقول كلّ من الطرفين، لذلك أغضينا عن نقل حجج الطرفين؛ لعدم الجدوى في إثباتها أو نفيها بعد ابتنائها على الخلط. والذي ينبغي أن يُقال: إنّ القرآن يدلّ على جواز العلم بتأويله لغيره تعالى، وأمّا هذه الآية فلا دلالة لها على ذلك. أمّا الجهة الثانية: فإنّ الآية بقرينة صدرها وذيلها وما تتلوها من الآيات إنّما هي في مقام بيان انقسام الكتاب إلى المحكم والمتشابه، وتفرّق الناس في الأخذ بها، فهم بين مائل إلى اتّباع المتشابه لزيغ في قلبه، وثابت على اتّباع المحكم والإيمان بالمتشابه لرسوخ في علمه. فإنّما القصد الأوّل في ذكر الراسخين في العلم بيان حالهم وطريقتهم في الأخذ بالقرآن ومدحهم فيه قبال ما ذكر من حال الزائغين وطريقتهم وذمّهم، والزائد على هذا القدر خارج عن القصد الأوّل، ولا دليل على تشريكهم في العلم بالتأويل مع ذلك إلاّ وجوه غير تامّة، فيبقى الحصر المدلول عليه بقوله: وما يعلم تأويله إلاّ الله من غير ناقض ينقضه من عطف واستثناء وغير ذلك. فالذي تدلّ عليه الآية هو انحصار العلم بالتأويل فيه تعالى واختصاصه به. لكنّه لا ينافي دلالة دليل منفصل يدلّ على علم غيره تعالى به بإذنه كما في نظائره مثل العلم بالغيب، قال تعالى: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالأرْضِ الْغَيْبَ إلاّ اللهُ}5 ، وقال تعالى: {إنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ}6 ، وقال تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إلاّ هُوَ}7، فدلّ جميع ذلك على الحصر. ثمّ قال تعالى: {عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبـِهِ أحَداً * إلاّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُول}8 ، فأثبت ذلك لبعض من هو غيره وهو من ارتضى من رسول، ولذلك نظائر في القرآن. أمّا الجهة الأولى وهي جواز العلم بتأويله لغيره تعالى، فإنّه تعالى قال: {إنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتاب مَكْنُون * لا يَمَسُّهُ إلاّ الْمُطَهَّرُونَ}9 ولا شبهة في ظهور الآيات في أنّ المطهّرين من عباد الله يمسّون القرآن الكريم الذي في الكتاب المكنون والمحفوظ من التغيّر، ومن التغيّر تصرّف الأذهان بالورود عليه والصدور منه، وليس هذا المسّ إلاّ نيل الفهم والعلم، ومن المعلوم أيضاً أنّ الكتاب المكنون هذا هو أُمّ الكتاب المدلول عليه بقوله تعالى: {يَمْحُو اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبـِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ}10 وهو المذكور في قوله: {وَإنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ}11. وهؤلاء قومٌ نزلت الطهارة في قلوبهم، وليس ينزلها إلاّ سبحانه، فإنّه تعالى لم يذكرها إلاّ كذلك أي منسوبة إلى نفسه كقوله تعالى: {إنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}12، وقوله تعالى: {وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ}13، وما في القرآن شيء من الطهارة المعنوية إلاّ منسوبة إلى الله أو بإذنه، وليست الطهارة إلاّ زوال الرجس من القلب، وليس القلب من الإنسان إلاّ ما يدرك به ويريد به، فطهارة القلب طهارة نفس الإنسان في اعتقادها وإرادتها وزوال الرجس عن هاتين الجهتين، ويرجع إلى إثبات القلب فيما اعتقده من المعارف الحقّة من غير ميلان إلى الشكّ ونوسان بين الحقّ والباطل، وثباته على لوازم ما علمه من الحقّ من غير تمايل إلى أتباع الهوى ونقض ميثاق العلم، وهذا هو الرسوخ في العلم، فإنّ الله سبحانه ما وصف الراسخين في العلم إلاّ بأنّهم مهديّون ثابتون على ما علموا غير زائغة قلوبهم إلى ابتغاء الفتنة، فقد ظهر أنّ هؤلاء المطهّرين راسخون في العلم. هذا، لكن ينبغي أن لا تشتبه النتيجة التي ينتجها هذا البيان، فإنّ المقدار الثابت بذلك أنّ المطهّرين يعلمون التأويل، ولازم تطهيرهم أن يكونوا راسخين في علومهم، لما أنّ تطهير قلوبهم منسوب إلى الله وهو تعالى سبب غير مغلوب، لا أنّ الراسخين في العلم يعلمون التأويل بما أنّهم راسخون في العلم، أي أنّ الرسوخ في العلم سبب للعلم بالتأويل فإنّ الآية لا تثبت ذلك، بل ربّما لاح من سياقها جهلهم بالتأويل حيث قال تعالى: {يَقُولُونَ آمَنّا بـِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا} وقد وصف الله رجالاً من أهل الكتاب برسوخ العلم ومدحهم بذلك وشكرهم على الايمان والعمل الصالح في قوله: {لكِنِ الرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بـِما أُنْزِلَ إلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ}14. ولم يثبت مع ذلك كونهم عالمين بتأويل الكتاب»15. والحاصل أنّ الآية ليست بصدد إثبات أنّ الرسوخ في العلم سببٌ للعلم بالتأويل كما تصوّره القائلون بأنّ الواو للعطف، لذا لا يثبت أنّ كلّ راسخ في العلم عالم بالتأويل بالضرورة، وإنّما الثابت أنّ العلم بالتأويل سبب للرسوخ في العلم. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) آل عمران: 7. (2) آل عمران: 18. (3) التحرير والتنوير المعروف بتفسير ابن عاشور، تأليف: سماحة الأُستاذ الإمام الشيخ محمّد الطاهر ابن عاشور، طبعة جديدة منقّحة ومصحّحة، مؤسّسة التاريخ، بيروت، الطبعة الأولى، 1420هـ: ج3 ص24. (4) التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب: ج7 ص152. (5) النمل: 65. (6) يونس: 20. (7) الأنعام: 59. (8) الجنّ: 26 - 27. (9) الواقعة: 77ـ 79. (10) الرعد: 39. (11) الزخرف: 4. (12) الأحزاب: 33. (13) المائدة: 6. (14) النساء: 162. (15) الميزان في تفسير القرآن: ج3 ص49.
| |
|
الواضح عضو خبير
عدد الرسائل : 747 العمر : 45 الموقع : بلدي العراق السٌّمعَة : 3 نقاط : 289 تاريخ التسجيل : 29/07/2008
| موضوع: رد: َالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ السبت نوفمبر 08, 2008 2:11 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وآله الطيبين الطاهرين المطهرين. ++++=====+++++=====++++ الله يبارك فيك أفدتنا ونعم الفائدة جزيت خير الجزاء | |
|
الامبراطور المشرف العام
عدد الرسائل : 2043 العمر : 40 الموقع : دولة الامام المنتظر (عج) السٌّمعَة : 2 نقاط : 580 تاريخ التسجيل : 28/07/2008
| موضوع: رد: َالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ السبت نوفمبر 08, 2008 9:05 pm | |
| اللهم صلي على محمد وآل محمد شكرا لك اخي الواضح على ردودك الجميلة بارك الله فيك
| |
|
غرام حسيني المدير العام
عدد الرسائل : 4535 العمر : 51 الموقع : ولاية علي عليه السلام السٌّمعَة : 3 نقاط : 1437 تاريخ التسجيل : 20/07/2008
| موضوع: رد: َالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ السبت نوفمبر 08, 2008 10:41 pm | |
| | |
|
الامبراطور المشرف العام
عدد الرسائل : 2043 العمر : 40 الموقع : دولة الامام المنتظر (عج) السٌّمعَة : 2 نقاط : 580 تاريخ التسجيل : 28/07/2008
| موضوع: رد: َالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ السبت نوفمبر 08, 2008 10:45 pm | |
| اللهم صلي على محمد وآل محمد شكرا لك اخي ضوء القمر على الرد الجميل بارك الله فيك وجزاك خيرا
| |
|
الرحال عضو خبير
عدد الرسائل : 688 العمر : 63 السٌّمعَة : 0 نقاط : 73 تاريخ التسجيل : 16/08/2008
| موضوع: رد: َالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ الأحد نوفمبر 09, 2008 12:23 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صلي على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف السلام عليكم وقد ورد في التفسير الأصفى - الفيض الكاشاني - ج 1 - ص 138 - 140 ( هو الذي أنزل عليك الكتب منه آيات محكمات ) : أحكمت عباراتها ، بأن حفظت من الاجمال ( هن أم الكتب ) : أصله ، يرد إليها غيرها ( وأخر متشابهات ) : محتملات لا يتضح مقصودها إلا بالفحص والنظر ، ليظهر فيها فضل العلماء الربانيين في استنباط معانيها وردها إلى المحكمات ، وليتوصلوا بها إلى معرفة الله تعالى و توحيده . قال : " المحكم ما يعمل به ، والمتشابه ما اشتبه على جاهله " ( 4 ) . وفي رواية : " ما يشبه بعضه بعضا ، " ( 5 ) . وورد في تأويله : " إن المحكمات أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام ، والمتشابهات فلان وفلان " ( 6 ) . ( فأما الذين في قلوبهم زيغ ) : ميل عن الحق كالمبتدعة ( فيتبعون ما تشبه منه ) : فيتعلقون بظاهره أو بتأويل باطل ( ابتغاء الفتنة ) : طلب أن يفتنوا الناس عن دينهم بالتشكيك والتلبيس ومناقضة المحكم بالمتشابه . ورد : " إن الفتنة هنا الكفر " ( 7 ) . ( وابتغاء تأويله ) : وطلب أن يؤولوه على ما يشتهونه . ‹ صفحة 139 › ( وما يعلم تأويله ) الذي يجب أن يحمل عليه . قال : " يعني تأويل القرآن كله " ( 1 ) . ( إلا الله والراسخون في العلم ) الذين تثبتوا وتمكنوا فيه . قال : " نحن الراسخون في العلم ونحن نعلم تأويله " ( 2 ) . وفي رواية : " إن الراسخون في العلم من لا يختلف في علمه " ( 3 ) . وفي أخرى : " إن الله جل ذكره بسعة رحمته ورأفته بخلقه ، و علمه بما يحدثه المبدلون من تغيير كلامه ، قسم كلامه ثلاثة أقسام ، فجعل قسما منه يعرفه العالم والجاهل ، وقسما لا يعرفه الا من صفى ذهنه ولطف حسه وصح تمييزه ، ممن شرح الله صدره للاسلام ، وقسما لا يعرفه إلا الله وأنبياؤه والراسخون في العلم ، و إنما فعل ذلك لئلا يدعي أهل الباطل من المستولين على ميراث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من علم الكتاب ما لم يجعله لهم ، وليقودهم الاضطرار إلى الايتمار ( 4 ) بمن ولاه أمرهم " ( 5 ) . ( يقولون آمنا به ) : هؤلاء الراسخون العالمون بالتأويل يقولون : آمنا بالمتشابه . ( كل ) من المحكم والمتشابه ( من عند ربنا ) : من عند الله الحكيم الذي لا يتناقض كلامه ( وما يذكر إلا أولوا الألباب ) . مدح للراسخين بجودة الذهن وحسن التدبر ، وإشارة إلى ما استعدوا به للاهتداء إلى تأويله وهو تجرد العقل عن غواشي الحس . قال : " اعلم أن الراسخين في العلم هم الذين أغناهم الله عن الاقتحام ( 6 ) في السدد ( 7 ) المضروبة دون الغيوب ، فلزموا الاقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب ، فقالوا : " آمنا به كل من عند ربنا " . فمدح الله عز وجل اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما ، وسمى تركهم التعمق فيما لم يكلفهم البحث عنه منهم رسوخا ، فاقتصر على ذلك ، ولا تقدر عظمة الله على قدر عقلك فتكون من الهالكين " ( 1 ) . وورد : " من رد متشابه القرآن إلى محكمه هدي إلى صراط مستقيم . ثم قال : إن في أخبارنا متشابها كمتشابه القرآن ، ومحكما كمحكم القرآن ، فردوا متشابهها إلى محكمها . وتتبعوا متشابهها دون محكمها فتضلوا " ( 2 ) .
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج 2 - ص 403 - 406 3 5 - الراسخون في العلم يعرفون معنى المتشابهات ثمة نقاش هام يدور بين المفسرين والعلماء حول ما إذا كانت عبارة ش الراسخون في العلم بداية جملة مستقلة ، أم أنها معطوفة على إلا الله . وبعبارة أخرى : هل أن معنى الآية وأنه ما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم ؟ أم أنه ما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا ؟ إن لكل فريق من مؤيدي هذين الاتجاهين أدلته وبراهينه وشواهده . أما القرائن الموجودة في الآية والأحاديث المشهورة المنسجمة معها فتقول إن ش والراسخون في العلم معطوفة على " الله " ، وذلك : أولا : يستبعد كثيرا أن تكون في القرآن آيات لا يعلم أسرارها إلا الله وحده . ألم تنزل هذه الآيات لهداية البشر وتربيتهم ؟ فكيف يمكن أن لا يعلم بمعانيها وتأويلها حتى النبي الذي نزلت عليه ؟ هذا أشبه بمن يؤلف كتابا لا يفهم معاني بعض أجزائه سواه ! وثانيا : كما يقول المرحوم الطبرسي في " مجمع البيان " : لم يسبق أن رأينا بين علماء الإسلام والمفسرين من يمتنع عن تفسير آية بحجة أنها من الآيات التي لا يعرف معناها سوى الله ، بل كانوا جميعا يجدون ويجتهدون لكشف أسرار القرآن ومعانيه . وثالثا : إذا كان القصد هو أن الراسخين في العلم يسلمون لما لا يعرفونه ، لكان الأولى أن يقال : والراسخون في الإيمان يقولون آمنا به . لأن الرسوخ في العلم يتناسب مع العلم بتأويل القرآن ، ولا يتناسب مع عدم العلم به والتسليم له . ورابعا : أن الأحاديث الكثيرة التي تفسر هذه الآية تؤكد كلها أن الراسخين في العلم يعلمون تأويله ، وعليه فيجب أن تكون معطوفة على " الله " . الشئ الوحيد الباقي هو إن خطبة " الأشباح " للإمام علي ( عليه السلام ) في نهج البلاغة يستفاد منها أن الراسخين في العلم لا يعلمون تأويل الآيات ويعترفون بعجزهم . " وأعلم أن الراسخين في العلم هم الذين أغناهم عن اقتحام السدد المضروبة دون الغيوب ، الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب الحجوب " ( 1 ) . ولكن فضلا عن كون هذه العبارة تناقض بعض الأحاديث المنقولة عنه ( عليه السلام ) التي قال فيها : إن الراسخين في العلم معطوفة على " الله " وإنهم عالمون بتأويل القرآن ، فإنها لا تنسجم أيضا مع الأدلة التي سبق ذكرها ( 2 ) . وعليه فيلزم تفسير هذه الجملة من خطبه " الأشباح " بما يتفق والأسانيد الأخرى التي بين أيدينا . 3 6 - نتيجة الكلام في تفسير الآية من كل ما مر قوله تفسيرا لهذه الآية نستنتج أن آيات القرآن قسمان : قسم معانيها واضحة جدا بحيث لا يمكن إنكارها ولا إساءة تأويلها وتفسيرها ، وهذه هي الآيات " المحكمات " . وقسم آخر مواضيعها رفيعة المستوى ، أو أنها تدور ‹ حول عوالم بعيدة عن متناول أيدينا ، كعلم الغيب ، وعالم يوم القيامة ، وصفات الله ، بحيث إن معرفة معانيها النهائية وإدراك كنه أسرارها يستلزم مستوى عاليا من العلم ، وهذه هي الآيات " المتشابهات " . المنحرفون والشواذ من الناس يسعون لاستخدام إبهام هذه الآيات لتفسيرها بحسب أهوائهم وبخلاف الحق ، لكي يثيروا الفتنة بين الناس ويضلوهم عن الطريق المستقيم . بيد أن الله والراسخين في العلم يعرفون أسرار هذه الآيات ويشرحونها للناس ، فهم بعلمهم الواسع يفهمون المتشابهات كما يفهمون المحكمات ، ولذلك فإنهم يسلمون بها قائلين إنها جميعا من عند الله : يقولون آمنا به كل من عند ربنا . وعلى هذا يكون الرسوخ في العلم سببا في أن يزداد الإنسان معرفة بأسرار القرآن . ولا شك أن الذين رسخوا في العلم أكثر من غيرهم - كالنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأئمة الهدى - يعلمون جميع أسرار القرآن ، بينما الآخرون يعلمون منها كل بقدر سعة علمه . وهذه الحقيقة هي التي تدفع الناس ، وحتى العلماء منهم ، للبحث عن المعلمين الإلهيين ليتعلموا منهم أسرار القرآن . 3 7 - وما يذكر إلا أولوا الألباب . تشير هذه الجملة في ختام الآية إلى أن هذه الحقائق يعرفها المفكرون وحدهم ، فهم الذين يدركون لماذا ينبغي أن يكون في القرآن " محكمات " و " متشابهات " ، وهم الذين يعلمون أنه يجب وضع المتشابهات إلى جانب المحكمات لكشفها . لذلك فقد نقل عن الإمام علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) أنه قال : " من رد متشابه القرآن إلى محكمه هدي إلى صراط مستقيم " ومن أراد الأطلاع أكثر فليراجع وشكرا
بسم الله وسلامٌ على عباده الذين اصطفى محمد وآل محمد واللعنة الدائمة على أعداءهم والمنكرين لفضلهم
قال تعالى((هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ محكماتٌ هنّ أمّ الكتاب وُأخَرُ متشابهاتٌ فأما الذين في قلوبهم زيغٌ فيتـّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا ّ الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كلٌ من عند ربنا وما يذكـّر إلا ّ أولوا الألباب)). سورة آل عمران آية 7
تشير هذه الآية إلى حقيقةٍ قرآنيةٍ هامةٍ وهي أنّ الآيات القرآنية تنقسم إلى قسمين آياتٌ محكماتٌ وآياتٌ متشابهاتٌ فالمحكمات من الآيات هي التي لا تحتمل إلا ّ معنىً واحدا ً وأما المتشابهات منها فهي التي تحتمل أكثر من معنى. كما أنّ الآية تشير إلى أنّ مَنْ يكتفي بالمتشابهات من الآيات دون ردّها إلى المحكمات فقد انحرف عن المعنى الحقيقي المراد منها فضلّ وأضلّ وفي مقابل هؤلاء يقف الراسخون في العلم الذين لهم علمٌ بالله وبآياته لا يشوبه شكٌ ولا ريبٌ فما حصل لهم من العلم بالمحكمات ثابتٌ لا يتزلزل فهم يؤمنون بها ويعملون بها وإذا ما ورَدَتْ عليهم آية ٌ متشابهة ٌ لم يُوجبْ تشابهها اضطراب قلوبهم فيما عندهم من العلم الراسخ بل إنهم يؤمنون بها ولا يردّونها لأنها من عند الله وإنما يتـّبعون من معانيها ما يوافق معنى المحكم . ) وهذا ما تؤكده الروايات الشريفة: 1ـ عن الصادق(ع) في قوله تعالى(( والراسخون في العلم يقولون آمنا به كلٌ من عند ربنا...)) قال(( الراسخون في العلم هم آل محمد)). تفسير العياشي ج1 ص162 2ـ عن الصادق(ع) في قوله تعالى(( والراسخون في العلم يقولون آمنا به كلٌ من عند ربنا...)) قال(( نحن الراسخون في العلم)). بحار الأنوار ج23 ص198 3ـ عن علي(ع) قال(( أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا كذبا ً وبغيا ًعلينا وحسدا ً لنا أن رفعنا الله سبحانه ووضعهم وأعطانا وحرمهم وأدخلنا وأخرجهم بنا يُستعطى الهدى ويُستجلى العمى لا بهم )). بحار الأنوار ج23 ص20
الف شكر لك اخي الامبراطور واسف للاطاله
| |
|
الامبراطور المشرف العام
عدد الرسائل : 2043 العمر : 40 الموقع : دولة الامام المنتظر (عج) السٌّمعَة : 2 نقاط : 580 تاريخ التسجيل : 28/07/2008
| موضوع: رد: َالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ الأحد نوفمبر 09, 2008 3:22 pm | |
| كل الشكر والتقدير الك يا سيدنا بارك الله فيك ووفقك لكل خير مع خالص تحياتي
| |
|