بسم الله الرحمن الرحيم
حدثنا أبوجعفر أحمد بن محمد بن عيسى، قال: حدثني سعيد بن جناح (2)، عن عوف بن عبدالله الازدي، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله: إذا أراد الله تبارك وتعالى قبض روح المؤمن قال: ياملك الموت أنطلق أنت وأعوانك إلى عبدي، فطال ما نصب نفسه من أجلي فأتني بروحه لاريحه عندي، فيأتيه ملك الموت بوجه حسن وثياب طاهرة وريح طيبة فيقوم بالباب فلا يستأذن بوابا ولا يهتك حجابا ولا يكسر بابا، معه خمسمائة ملك أعوان معهم طنان الريحان (3) والحرير الابيض والمسك الاذفر فيقولون: السلام عليك ياولي الله أبشر فإن الرب يقرئك السلام أما إنه عنك راض غير غضبان، وأبشر بروح وريحان وجنة نعيم.قال: أما الروح فراحة من الدنيا وبلائها، والريحان من كل طيب في الجنة فيوضع على ذقنه، فيصل ريحه إلى روحه، فلا يزال في راحة حتى يخرج نفسه، ثم يأتيه رضوان خازن الجنة فيسقيه شربة من الجنة لا يعطش في قبره ولا في القيامة حتى يدخل الجنة ريانا، فيقول: ياملك الموت رد روحي حتى يثني على جسدي وجسدي على روحي، قال: فيقول ملك الموت: ليثن كل واحد منكما على صاحبه، فيقول الروح:جزاك الله من جسد خير الجزاء، لقد كنت في طاعته مسرعا وعن معاصيه مبطئا، فجزاك الله عني من جسد خير الجزاء، فعليك السلام إلى يوم القيامة، ويقول الجسد للروح مثل ذلك.قال: فيصيح ملك الموت بالروح أيتها الروح الطيبة اخرجي من الدنيا مؤمنة مرحومة مغتبطة، قال: فرقت به الملائكة وفرجت عنه الشدائد، وسهلت له الموارد، وصار لحيوان الخلد.قال: ثم يبعث الله له صفين من الملائكة غير القابضين لروحه، فيقومون سماطين (1) ما بين منزله إلى قبره، ويستغفرون له ويشفعون له، قال: فيعلله ملك الموت ويمنيه ويبشره عن الله بالكرامة والخير كما تخادع الصبي امه تمرخه بالدهن والريحان (2) وبقاء النفس وتفديه بالنفس والوالدين.قال: فإذا بلغت الحلقوم قال الحافظان اللذان معه: ياملك الموت ارؤف بصاحبنا وارفق، فنعم الاخ كان ونعم الجليس، لم يمل علينا ما يسخط الله قط، فإذا خرجت روحه خرجت كنخلة بيضاء وضعت في مسكة بيضاء ومن كل ريحان في الجنة فأدرجت إدراجا وعرج بها القابضون إلى السماء الدنيا، قال: فيفتح له أبواب السماء ويقول لها البوابون: حياها الله من جسد كانت فيه، لقد كان يمر له علينا عمل صالح ونسمع حلاوة صوته بالقرآن قال: فبكى له أبواب السماء والبوابون لفقدها، ويقول: يارب قد كان لعبدك هذا عمل صالح وكنا نسمع حلاوة صوته بالذكر للقرآن، ويقولون: اللهم ابعث لنا مكانه عبدا يسمعنا ما كان يسمعنا ويصنع الله ما يشاء فيصعد به إلى عيش رحبت به ملائكة السماء كلهم أجمعون ويشفعون له ويستغفرون له ويقول الله تبارك وتعالى: رحمتي عليه من روح، ويتلقاه أرواح المؤمنين كما يتلقى الغائب غائبه، فيقول بعضهم لبعض: ذروا هذه الروح حتى تفيق (3) فقد خرجت من كرب عظيم وإذا هو استراح أقبلوا عليه يسائلونه ويقولون ما فعل فلان وفلان؟ فإن كان قد مات بكوا واسترجعوا ويقولون: ذهبت به امه الهاوية فإنا لله وإنا لله راجعون.قال: فيقول الله: ردوها عليه، فمنها خلقتهم وفيها اعيدهم ومنها اخرجهم تارة اخرى، قال: فإذا حمل سريره حملت نعشه الملائكة واندفعوا به اندفاعا والشياطين سماطين ينظرون من بعيد ليس لهم عليه سلطان ولا سبيل فإذا بلغوا به القبر توثبت إليه بقاع الارض كالرياض الخضر، فقالت كل بقعة منها: اللهم اجعله في بطني، قال: فيجاء به حتى يوضع في الحفرة التي قضاها الله له، فإذا وضع في لحده مثل له أبوه وامه وزوجته وولده وإخوانه قال: فيقول لزوجته: ما يبكيك؟ قال: فتقول: لفقدك تركتنا معولين.
قال: فتجئ صورة حسنة، قال: فيقول: ما أنت؟ فيقول: أنا عملك الصالح أنا لك اليوم حصن حصين وجنة وسلاح بأمر الله، قال: فيقول: أما والله لو علمت أنك في هذا المكان لنصبت نفسي لك وما غرني مالي وولدي، قال: فيقول: ياولي الله أبشر بالخير، فوالله إنه ليسمع خفق نعال القوم إذا رجعوا ونفضهم أيديهم من التراب إذا فرغوا قد رد عليه روحه وما علموا، قال: فيقول له الارض: مرحبا ياولي الله مرحبا بك أما والله لقد كنت احبك وأنت على متني فأنا لك اليوم أشد حبا إذا أنت في بطني، أما وعزة ربي لاحسنن جوارك ولا بردن مضجعك، ولا وسعن مدخلك، إنما أنا روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار.قال: ثم يبعث الله إليه ملكا فيضرب بجناحيه عن يمينه وعن شماله ومن بين يديه ومن خلفه فيوسع له من كل طريقة أربعين نورا، فإذا قبره مستدير بالنور.قال: ثم يدخل عليه منكر ونكير وهما ملكان أسودان يبحثان القبر بأنيابهما ويطئان في شعورهما، حدقتاهما مثل قدر النحاس، وأصواتهما، كالرعد القاصف، وأبصارهما مثل البرق اللامع، فينتهرانه (1) ويصيحان به ويقولان: من ربك؟ ومن نبيك؟ وما دينك؟ ومن إمامك؟ فإن المؤمن ليغضب حتى ينتقض من الادلال (2)توكلا على الله من غير قرابة ولا نسب، فيقول ربي وربكم ورب كل شئ الله، ونبيي ونبيكم محمد خاتم النبيين، وديني الاسلام الذي لا يقبل الله معه دينا، وإمامي القرآن مهيمنا على الكتب (1) وهو القرآن العظيم، فيقولان: صدقت ووفقت وفقك الله وهداك انظر ما ترى عند رجليك فإذا هو بباب من نار، فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون ما كان هذا ظني برب العالمين، قال: فيقولان له: ياولي الله لا تحزن ولا تخشى وأبشر واستبشر فليس هذا لك ولا أنت له إنما أراد الله تبارك وتعالى أن يريك من أي شئ نجاك ويذيقك برد عفوه قد أغلق هذا الباب عنك ولا تدخل النار أبدا، انظر ما ترى عند رأسك فإذا هو بمنازله من الجنة وأزواجه من الحور العين، قال: فيثب وثبة لمعانقة الحور العين الزوجة من أزواجه، فيقولان له: ياولي الله إن لك إخوة وأخوات لم يلحقوا فنم قرير العين كعاشق في حجلته إلى يوم الدين، قال: فيفرش له ويبسط ويلحد، قال: فوالله ما صبي قد نام مدللا بين يدي امه وأبيه بأثقل نومة منه، قال: فإذا كان يوم القيامة يجيئه عنق من النار فتطيف به، فإذا كان مدمنا على (2) " تنزيل - السجدة - " و " تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شئ قدير " وقفت عنده " تبارك " وانطلقت " تنزيل - السجدة - " فقالت: أنا آت بشفاعة رب العالمين، قال: فتجيئ عنق من العذاب من قبل يمينه فتقول الصلاة: إليك عن ولي الله (3) فليس لك إلى ما قبلي سبيل، فيأتيه من قبل يساره فتقول الزكاة: إليك عن ولي الله، فليس لك إلى ما قبلي سبيل، فيأتيه من قبل رأسه فيقول القرآن: إليك عن ولي الله، فليس لك إلى ما قبلي سبيل، فقد وعاني في قبله، وفي اللسان الذي كان يوحد به ربه فليس لك إلى ما قبلي سبيل، فتخرج عنق من النار مغضبا فيقول: دونكما ولي الله، وليكما (4) قال: فيقول الصبر وهو في ناحية القبر: أما والله ما منعني أن ألي من ولي الله اليوم، إلا أني نظرت ما عندكم فلما أن جزتم (5) عن ولي الله عذاب القبر ومؤونته فأنا لولي الله ذخر وحصن عند الميزان وجسر جهنم والعرض عند الله.فقال علي أمير المؤمنين عليه السلام يفتح لولي الله من منزله من الجنة إلى قبره تسعة وتسعون بابا، يدخل عليها روحها وريحانها وطيبها ولذتها ونورها إلى يوم القيامة، فليس شئ أحب إليه من لقاء الله، قال: فيقول: يارب عجل علي قيام الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي، فإذا كانت صيحة القيامة خرج من قبره مستورة عورته، مسكنة روعته قد اعطي الامن والامان، وبشر بالرضوان، والروح والريحان، والخيرات الحسان، فيستقبله الملكان اللذان كانا معه في الحياة الدنيا فينفضان التراب عن وجهه وعن رأسه ولا يفارقانه، ويبشرانه ويمنيانه ويفرجانه كلما راعه شئ من أهوال القيامة قالا له: يا ولي الله لا خوف عليك اليوم ولا حزن، نحن الذين ولينا عملك في الحياة الدنيا ونحن أولياؤك اليوم في الآخرة، انظرتلكم الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون، قال: فيقام في ظل العرش فيدنيه الرب تبارك وتعالى حتى يكون بينه وبينه حجاب من نور فيقول له: مرحبا، فمنها يبيض وجهه ويسر قلبه ويطول سبعون ذراعا من فرحته فوجهه كالقمر وطوله طول آدم وصورته صورة يوسف ولسانه لسان محمد صلى الله عليه واله وقلبه قلب أيوب، كلما غفر له ذنب سجد، فيقول: عبدي اقرء كتابك فيصطك فرائصه شفقا وفرقا (1) قال: فيقول الجبار: هل زدنا عليك سيئاتك ونقصنا عليك من حسناتك؟ قال: فيقول: ياسيدي بل أنت قائم بالقسط وأنت خير الفاصلين.قال: فيقول: عبدي أما استحييت ولا راقبتني ولا خشيتني، قال: فيقول: ياسيدي قد أسأت فلا تفضحني، فإن الخلايق ينظرون إلي، قال: فيقول الجبار: وعزتي يامسيئ لا أفضحك اليوم قال: فالسيئات فيما بينه وبين الله مستورة والحسنات بارزة للخلائق، قال: فكلما كان عيره بذنب قال: سيدي لتبعثني إلى النار أحب إلي من أن تعيرني، قال: فيضحك الجبار (2) تبارك وتعالى لاشريك له ليقر بعينه (3)، قال: فيقول: أتذكر يوم كذا وكذا أطعمت جائعا ووصلت أخا مؤمنا، كسوت يوما أعطيت سعيا حججت في الصحاري تدعوني محرما، أرسلت عينيك فرقا، سهرت ليلة شفقا، غضضت طرفك مني