وبعد أيام عدة جاءت بتول لعيادتي فقد كنت متوعكة قليلا ولم أذهب إلى الكلية لأيام عدة ، فأهدتني طاقة من الورد ومعها مصحف ، ففتحه ووجدته مثل مصحفنا تماما ، فقلت لها : يقولون إن لكم مصحفا خاصا بكم . . ؟
قالت : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين ، هؤلاء المفترون أعداء الإسلام يريدون تفريق المسلمين وتمزيقهم وضرب بعضهم ببعض ، فنحن نعبد الله وحده لا شريك له ، وقرآننا واحد ونبينا واحد وقبلتنا واحدة نشترك معكم في هذه الأمور ، وربما نختلف عنكم أنتم السنة في بعض الأمور الفقهية وبعض الأمور العقائدية . . .
فقلت لها : زيديني زادك الله من علمه . . .
قالت : عن ماذا تريدين أن تستفسري ؟
قلت : حدثيني عن أحقية علي في الخلافة كما تزعمون . . حدثيني عن التربة الحسينية ( قرص الطين الذي تسجدون عليه ) ، عن الحسين ، ولماذا يبكي الشيعة ويلطمون ؟ حدثيني عن توسلكم وتبرككم بأضرحة أئمتكم ، حدثيني كيف تجعلون من أبي بكر وعمر وعثمان ( رضي الله عنهم وأرضاهم ) أشخاصا عاديين ، وأحيانا تشتمونهم وتسبون بعض أزواج النبي الذين أذهب
الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا . . . أخبريني لماذا وضوؤكم غير وضوئنا . . ولماذا صلاتكم غير صلاتنا ، وماذا عن الزواج المؤقت ، والتقية ، والرجعة ، الخمس ، وتأويلكم لآيات القرآن في علي وذريته آيات لا نعرفها ، وماذا عن مصحف فاطمة . . . ؟ ذكرت كل تساؤلاتي وكانت هي مبتسمة ، وبدا أنها مستعدة لكل سؤال يطرح عليها وأنها واثقة من نفسها تماما .
فقالت : هل تريدين الحق ؟ لقد أحببتك يا أختي لمياء وأتمنى منك أن تقبلي هديتي المقبلة ، كتب عدة ، إقرأيها وسوف تجدين ملاذك عن كل سؤال طرحتيه علي . . . فأنا إن أجبتك عن كل سؤال لا يكفينا أيام السنة كلها ونحن نتناقش في صحة كلامي
وعدمه ، أما إذا قرأت عن أشخاص عدة استبصروا عرفوا طريق الحق ، كانوا من أهل السنة وأصبحوا من الشيعة ، لوجدت برهانا دامغا ساطعا وحجة عليك من كتبكم ، ولن أطلعك على كتبنا حتى تطلبيها أنت بعد قراءتك لكتب المتشيعين .
شكرتها وتمنيت منها أن تزورني وترسل لي الكتب بأسرع وقت ، فأنا شغفة ومتشوقة لقراءتها عسى ولعل أن أجد فيها شفاء لشكوكي ووساوسي الدفينة حول الاختلاف الدائر بين المذاهب الأربعة المعروفة .
وفعلا ، لم تكذب خبرا فبعد ثلاثة أيام جائتني بكثير من الكتب وقالت لي : سآتي في الأسبوع القادم لأخذك معي لحضور عاشوراء ، فترددت قليلا في قبول الدعوة ، ثم قبلت وأنا حيرانة ،
وقلت : حسنا كما تريدين . . . ثم انكببت على الكتب ليل نهار وأنا أقرؤها من الجلدة إلى الجلدة - كما يقولون - فقد استهواني تحليل كل كاتب منهم القضايا العالقة بين السنة والشيعة وفاجأني
الكل بقصة لم أسمع بها من قبل ، رزية يوم الخميس ، إنها فضيحة فظيعة لا تصدق ، ولكن عندما ذيل الكاتب الصفحة بأنها من كتب السنة : صحيح البخاري وصحيح مسلم ومسند الإمام
أحمد وتاريخ الطبري وتاريخ ابن الأثير . فكيف بعد هذا الذي قرأته أكذب نفسي وأقول إنه قول جماعة لا يحبون الخلفاء الثلاثة ويكرهونهم ، أليس ذلك مذكور في الصحاح ؟
فخطر لي أن أبحث عن تلك الصفحات في الصحاح لأتأكد ، وتمنيت أني لو لم أجدها ، لكن البخاري ذكرها ومسلم ذكرها و . . . كلهم ذكروها وأمرونا أن نتبع أبا بكر وعمر وأخبرونا بأنهم عدول لا يذنبون .
ومن هنا ، ملت إلى الشيعة أكثر فأكثر ، لأن تحليلهم لكل الأمور منطقي ، أكملت قراءة كل كتب التيجاني والشيخ محمد مرعي أمين الأنطاكي وكتاب و . . . و . . . وكلهم سنة تشيعوا ولم أسمع بحياتي عن شيعي قد تسنن .
إن رزية الخميس وحدها كافية لأن تشيعني ، ليتك يا عزيزي القارئ تعرفها لتعرف أني على حق ، إنها قصة يندى لها الجبين وهي عار على أهل السنة في كتبهم فلا نؤاخذ المستشرقين عندما يكتبون رسولنا ما يكتبون ، فهم قد استندوا في دعاويهم على كتبنا المليئة بمثل هذه الروايات عن الرسول . . . لقد قرأت الكتب واقتنعت بها ، وأنا مندهشة حينا لما أقرأ ، ومستاءة حينا آخر على الدهر الذي أمضيته وأنا عمياء البصيرة . . فالشيعة على حق ونحن على باطل ، وهم يتمسكون باللب ونحن نتمسك بالقشور ، هم الذين يجب أن يسموا أهل السنة ، لأنهم لم يغيروا ما جاء به محمد صلى الله عليه وآله ، أما نحن فاتبعنا سنة أبي بكر وعمر ومعاوية .
أقولها وبكل صراحة إن الحق هو اتباع أهل البيت الذين أوصى النبي صلى الله عليه وآله بالتمسك بهم فقال : ( إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر ، كتاب الله ، حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروا كيف تخلفونني فيهما ) ( 1 ) . وقال صلى الله عليه وآله : ( مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك ) ( 2 ) . آه وا أسفاه على ماض كنت فيه مغمضة العينين ، أمشي مع أقراني وقومي وهم على طريق الضلالة . ولكن الحمد لله الذي هداني بفضل هذه الفتاة المؤمنة الصادقة النية وليهنأ وليعتز بنفسه كل شيعي فهو الذي يتمسك بالعروة الوثقى وهو من الفرقة الناجية التي حدث عنها رسول الله صلى الله عليه وآله في حديث له . انتهيت من قراءة الكتب وقد تشيعت تماما وطويت صفحة الأيام الماضية ، وقررت أن أبدأ من يومي هذا حياة جديدة .
وفي اليوم الذي وعدتني به صديقتي بتول جزاها الله خيرا عني كل خير ، أتت إلي وقد بدا عليها الحزن قليلا ، فقلت : لم يا صديقتي هذا الحزن ؟
قالت : إنه يوم عاشوراء وقد قال الإمام الصادق عليه السلام : أنه علينا أن لا نبتسم في هذا اليوم ففيه قتل الحسين عليه السلام وكانت هذه مصيبة على الأمة الإسلامية كلها .
فقلت : لعن الله أعداء الإسلام ، وعجل فرجك أيها الإمام المنتظر لتملأ هذه الدنيا قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا . فاستغربت صديقتي
وقالت : أتهزئين ،
قلت : حاشى وكلا ، وقبلتها بين عينيها وقلت أشكرك - أشكرك يا بتول على هذه الهدية ، فلقد أنقذتيني من ظلام وجهل كنت أعيشه ونقلتيني إلى النور والعلم والنبوة والعقائد الصحيحة إلى أحضان أئمة الهدى أحفاد رسول الله صلى الله عليه وآله ، فهل من مزيد من هذه الكتب .
فقالت : إذا كنت قد اكتفيت وصار عندك يقين تام فسأعطيك بعض من كتبنا من المؤلفين الشيعة. فقلت : أتمنى هذا ، ودعينا الآن نذهب لحضور عاشوراء ، فذهبت ورأيت الناس في بكاء وعويل
وكأن الحسين عليه السلام قد استشهد لتوه ، فبكيت معهم وعشت لحظاتهم المباركة الحزينة وأحسست بانجلاء الكروب عن نفسي وتنفست الصعداء واعتبرت هذا اليوم أول يوم من مسيرة تشيعي واعتبرت هذا البكاء حزنا على الأيام الماضية وعلى الإسلام وعلى المآخذ التي كنت أشنها ورفاقي على صديقتي الشيعية وكل من اتبع هذا المذهب والذين أصبحوا أحبائي من بعد تشيعي وإخوتي في الدين بارك الله فيهم .
لقيت في البداية بعض المعارضة من أهلي - سامحهم الله - ولكن بصبري وتفوقي عليهم وحفظي لكل المسائل التي ربما أتعرض إليها خلال مناقشاتي ومجادلتي مع كل من يسمع بأني
قد تشيعت ، تفوقت وتفوقت واستطعت أن أشيع اثنتين من أخواتي وذلك بعد اطلاعي على كل كتب الشيعة تقريبا فقد وجدت في عقائدهم وأدعيتهم كنز لا يفنى .
وهكذا كانت مسيرة حياتي مع التشيع بدأتها بشك بيني وبين نفسي عن اختلاف المذاهب وأنهيتها بإعلان التشيع والتمسك بالمذهب الحق مذهب أهل البيت عليهم السلام . فسلام عليكم يوم ولدتم ويوم استشهدتم ويوم تبعثون ، وخاسر خاسر من لا يعرفكم ولا يعرف قدركم .
وأنا متأسفة جدا ، وأعتذر إليكم عني وعن المسلمين الذين كانوا يجهلون صلتكم بالنبي وحديثه عنكم وعن حبكم ومودتكم الواجبة علينا وعن بعض من آذاكم وحمل الآخرين على القول فيكم ، وفيمن تمسك بكم أقاويل وأكاذيب مغرضة ، لعنهم الله وأحرقهم بناره .