هوية الخلفاء والأئمة
عند أهل السنة
عند تدخل الشرع بالمسألة لقد تأسست نظرية الخلافة والإمامة عند أهل السنة على أساس عدم وجود أي نص في تعيين من يخلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وترك أمر اختيار الخليفة
للناس وبالأسلوب الذي يرونه مناسبا " ، محتجين بقوله تعالى : ( وأمرهم شورى بينهم ) [ الشورى / 38 ] .
ويرى أهل السنة - أيضا "- أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أهمل تحديد ذلك لئلا يحرج المسلمين بالتقيد بنمط خاص من أنماط الحكم أو اختيار الحاكم ، وذلك يرجع لتطور الزمن
وأساليب الحياة التي اختلفت وتعددت مقارنة بما كان عليه الحال في عهده صلى الله عليه وآله وسلم .
ويقول الكاتب المصري المعاصر الدكتور محمد سليم العوا في هذا الشأن: ( من الثابت تاريخيا " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يعين للمسلمين من يقوم بأمر الدولة الإسلامية
بعد وفاته ، بل لم يحدد الطريقة التي تتبع في اختيار الحاكم بعده ، وإنما أوضح للمسلمين القواعد العامة التي يجب أن يراعيها الحاكم في سيرته . وبين الرسول صلى الله عليه وآله
وسلم بسيرته وأقواله المثل العليا التي يجب التمسك بها والمحافظة عليها من جانب الحاكم والمحكومين على السواء ، دون أن يتضمن ذلك الجانب من سنة الرسول ، كما لم تتضمن
نصوص القرآن الكريم تفصيلا " لنظام الحكم الذي يجب أن يطبق في الدولة الإسلامية إذ اكتفى في هذا الصدد بالقواعد العامة فحسب ) ( 1 ) .
( 1 ) محمد سليم العوا ، في النظام السياسي للدولة الإسلامية ، ص 71 .
وأضاف : إن الإمام الجويني ذهب إلى مثل هذا الرأي عندما يقرر أن ( معظم مسائل الإمامة عرية عن مسالك القطع ، خلية عن مدارك اليقين ) ( 1 ) .
وبعد قول أهل السنة بعدم وجود نصوص في تعيين من يخلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو في طريقة اختياره وشروط انعقاد البيعة له ، فإنهم ذهبوا للاستدلال بأقوال الصحابة وأفعالهم في تشريع القوانين ووضع النظريات في هذه المسائل .
وهم يجمعون على كل حال على الاعتقاد بأن الإمامة الحقة تمثلت بخلافة أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، على حسب ترتيب أفضليتهم عندهم ، وسموهم بالخلفاء الراشدين .
ويعتبرون أيضا " شرعية الخلفاء ممن جاءوا بعدهم كالخلفاء الأمويين ، والعباسيين ، والعثمانيين ، ولم يستثن من هذا الاعتبار سوى قلة نادرة كالخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز الذي عد خليفة راشديا " خامسا " .
وعلى وبالرغم من إجماع أهل السنة بعدم وجود أي نص باستخلاف أي أحد بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، إلا أن غالبيتهم قالوا إنه ألمح باستخلاف أبي بكر وشذ بعضهم وقالوا إنه
صلى الله عليه وآله وسلم نص على خلافة أبي بكر ، فأما القائلون بالتلميح ، فهو لاستنادهم على ما روته عائشة عندما سئلت من كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم مستخلفا " لو
استخلفه ؟ قالت : أبو بكر ، فقيل لها : ثم من بعد أبي بكر ؟ قالت : عمر ، ثم قيل لها : من ؟ قالت : أبو عبيدة بن الجراح ، ثم انتهت إلى هذا ( 2 ) .
وروت عائشة أيضا " أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال لها في مرضه الأخير : ( ادع لي أبا بكر وأخاك حتى أكتب كتابا " ، فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل : أنا أولى ، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر ) ( 3 ) .
( 1 ) عبد الملك الجويني ، غياث الأمم ، ص 75 .
( 2 ) صحيح مسلم ، كتاب فضائل الصحابة ، باب فضائل أبي بكر ، ج 5 ص 247 .
( 3 ) المصدر السابق ، ص 248 .
وأما الشاذون بالقول بنص الرسول صلى الله عليه وآله وسلم باستخلاف أبي بكر كابن حزم ، وابن حجر ، فهو لاستنادهم إلى روايات ضعفها علماء الفريقين .
ومنها ما نسب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لامرأة : ( إن جئت فلم تجديني فأت أبا بكر الخليفة من بعدي ) ( 1 ) .
ومنها أيضا " : ( يكون خلفي اثنا عشر خليفة ، أبو بكر لا يلبث إلا قليلا " ) ( 2 ) .
ومنها : ( إني لا أدري ما قدر بقائي فيكم فاقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ) ( 3 ) .
ومن هذه الروايات المشكوك في صحتها أيضا " ما نسب إلى الإمام علي عليه السلام أنه قال : ( لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوجدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد
قدم أبا بكر في الصلاة ، فرضينا لدنيانا من رضي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لديننا ، فقدمنا أبا بكر ) ( 4 ) .
طرق انعقاد الخلافة
تنعقد الخلافة أو الإمامة عند أهل السنة بإحدى الطريق التالية :
1 - إختيار أهل الحل والعقد. وأهل الحل والعقد هم بمثابة أعضاء مجلس الشورى الذي يمثل الأمة في عملية اختيار الخليفة ، ولم يشترط في ذلك عدد معين منهم ، فضلا" عن الإجماع ،
ويذهب معظم علماء أهل السنة إلى تجويز انعقاد البيعة للخليفة ولو بمبايعة شخص واحد له من أهل الحل والعقد .
( 1 ) ابن حجر الصواعق المحرقة ، ص 20 . ( 2 ) المصدر نفسه ، ص 20 .
( 3 ) المصدر نفسه ، ص 20 . ( 4 ) ابن الجوزي : صفوة الصفوة .
يقول الجويني : ( . . فإذا لم يشترط الإجماع في عقد الإمامة لم يثبت عدد معدود ، ولا حد محدود ، فوجه الحكم بأن الإمامة تنعقد بعقد واحد من أهل الحل والعقد ) ( 1 ) .
ويقول القرطبي : ( فإن عقدها واحد من أهل الحل والعقد ، فذلك ثابت ويلزم الغير فعله . ( وهذا ) خلافا " لبعض الناس حيث قالوا : لا تنعقد إلا بجماعة من أهل الحل والعقد ، ودليلنا أن عمر عقد البيعة لأبي بكر ولم ينكر أحد من الصحابة ذلك ! ) ( 2 ) .
وقال عضد الأيجي : ( بل الواحد والاثنان من أهل الحل والعقد كاف ، لعلمنا أن الصحابة مع صلابتهم في الدين اكتفوا بذلك كعقد عمر لأبي بكر ) ( 3 )
وقال آخرون : ( أقل ما تنعقد به الإمامة منهم خمسة يجتمعون على عقدها ، أو يعقدها أحدهم برضا الأربعة استدلالا " بأن عمر جعل الشورى في الستة ليعقد لأحدهم برضا الخمسة ) ( 4 )
2 - عهد من الخليفة السابق : وفي هذه الطريقة يجوز للخليفة أن يعهد بالخلافة لمن شاء ليجعله خليفة بعده ، فتنعقد الإمامة بذلك . فيقول التفتازاني على سبيل المثال : أن هذا الاستخلاف يعد بمنزلة الشورى ، ودليله على ذلك عهد أبي بكر بالخلافة إلى عمر ( 5 ) .
ويدخل في ذلك أيضا العهد إلى مجموعة من أهل الحل والعقد ليختاروا واحدا " منهم إماما " . واستدل على ذلك من فعل عمر عندما عهد بالخلافة إلى ستة .
ويرى بعض العلماء من أهل السنة أن شرعية خلافة يزيد قد اعتبرت انطلاقا " من هذا الأساس ( الشرعي ) المستنبط من فعل الصحابة لأنها كانت
( 1 ) عبد الملك الجويني ، الإرشاد ، ص 424 . ( 2 ) تفسير القرطبي ، ج 1 ص 260 .
( 3 ) الأيجي ، المواقف ، ص 400 . ( 4 ) الماوردي ، الأحكام السلطانية ، ص 7 .
( 5 ) التفتازاني ، شرح المقاصد ، ص 272 .
أيضا " بعهد من أبيه معاوية بن أبي سفيان وهو صحابي لا يجوز نقده ، ثم كانت ( خلافة يزيد ) بمبايعة من بعض الصحابة ورضاهم كعبد الله بن عمر وهو أيضا " لا يجوز نقده ، بل يجب الاقتداء بما فعله ورضي به !
3 - الغلبة والقهر : وتكون هذه الطريقة بأخذ الخلافة بالقوة كما في حال الانقلاب العسكري .
ويقول التفتازاني : ( وتنعقد الإمامة بالقهر والاستيلاء ، فإذا مات الإمام وتصدى للإمامة من يستجمع شرائطها من غير بيعة ( أهل الحل والعقد ) أو استخلاف ( بعهد من الإمام السابق ) وقهر الناس بشوكته ، انعقدت الخلافة له ) ( 1 ) .
ويقول الشربيني : ( والطريق الثالث [ يكون ] باستيلاء شخص متغلب على الإمامة جامع للشروط المعتبرة في الإمامة على الملك بقهر وغلبة بعد موت الإمام لينظم شمل المسلمين .
أما الاستيلاء على [ إمامة الخليفة ] الحي ففيه أمران : فإذا كان هذا الخليفة الحي متغلبا " ( بمعنى أنه وصل إلى الخلافة عن طريق الغلبة والقهر ) انعقدت إمامة المتغلب عليه ، وإن كان إماما " ببيعة أو بعهد من الإمام السابق لم تنعقد إمامة المتغلب عليه ) ( 2 ) .
( 1 ) المصدر نفسه . ( 2 ) الشربيني ، مغني المحتاج ، ج 4 ص 131 - 132 .
عند الشيعة
لقد تأسست نظرية الخلافة والإمامة عند الشيعة على أساس وجود نص من الله تعالى على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم في تعيين هوية الخلفاء والأئمة ، فالشيعة يعتقدون
أن الخلافة الحقة قد نص عليها بأوثق الأدلة وأوضح العبارات في علي بن أبي طالب ابتدأ ، والأئمة من أهل البيت عليه السلام بصورة عامة ، ولا تخرج الإمامة من نسلهم أبد الدهر ، والذي سيكون آخرهم الإمام محمد المهدي ( المنتظر ) .
وفيما يلي نقدم ما احتج به الشيعة من نصوص رئيسية ومدلولاتها عندهم في معرفة الخلفاء والأئمة ، وهي على نوعين :
أولا " : النصوص في إمامة أهل البيت .
ثانيا " : النصوص في إمامة علي بن أبي طالب إمامة أهل البيت يمكن استخلاص الأدلة التي يحتج بها الشيعة في إمامة أهل البيت ، والآراء والتفسيرات التي يقدمونها في ذلك كما يلي :
عدول الكتاب : أخرج الترمذي ، بسنده عن جابر بن عبد الله ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ( أيها الناس إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ) ( 1 ) .
وكان قوله صلى الله عليه وآله وسلم كما أخرج ذلك مسلم في صحيحه : ( ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب ، وإني تارك فيكم ثقلين ، أولهما : كتاب
( 1 ) صحيح الترمذي ، ج 2 ص 308 .
الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتابه الله واستمسكوا به ، وأهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ) ( 1 ) .
ومن هذا الحديث الذي يسلم علماء الفريقين بصحته يفهم أنه وعلى الرغم من أن الله ( سبحانه وتعالى ) أنزل القرآن على نبيه بأحكم صور التمام والكمال ( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا " لكل شئ ) [ النحل / 89 ] و ( ما فرطنا في الكتاب من شئ ) [ الأنعام / 38 ] .
إلا أنه لم يكن كافيا " لضمان هداية الناس وإبعادهم من الضلال . لماذا ؟
يجيب الشيعة عن ذلك بالقول : إن عقول الناس قاصرة عن إدراك أسرار الكتاب ومغازيه والإحاطة بجميع جوانبه ( تبيانا " لكل شئ ) ، فكان لا بد وأن يكون لهذا الكتاب من مرافق
يقوم بهذه المهمة التوضيحية للناس ( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وآخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم ) [ آل عمران / 7 ] .
وهؤلاء الراسخون في العلم كما يوصفوا في موضع آخر ( إنه لقرآن كريم * في كتاب مكنون * لا يمسه إلا المطهرون ) [ الواقعة / 77 - 79 ] .
فكما أن التمسك بالكتاب لا يعني الإمساك به أو القبض عليه باليد ، فإن ( مس ) الكتاب في هذه الآية لا يعني مجرد لمسه باليد ، وإنما نزلت فيمن يحق لهم تفسير الكتاب وتأويله ،
والذين تدخلت الإرادة الإلهية بتطهيرهم ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " ) [ الأحزاب / 33 ] .
وحتى أن علماء الحديث عند أهل السنة يرون أن الحديث صلى الله عليه وآله وسلم ( . . . كتاب الله وعترتي أهل بيتي ) والمشهور بحديث الثقلين ، أصح مما رواه
( 1 ) صحيح مسلم ، كتاب الفضائل ، باب فضائل علي ، ج 5 ص 272 ، ط دار الثعب .
أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( إني قد خلفت فيكم ما لن تضلوا بعدهما أبدا " ما أخذتم بهما أو عملتم بهما : كتاب الله ، وسنتي ) ( 1 ) .
فهذه الرواية التي أخرجها الحاكم في مستدركه ليس فقط يقدم عليها حسب إجماع العلماء ( 2 ) ما رواه مسلم في صحيحه ( . . . كتاب الله وعترتي أهل بيتي ) في حالة تناقضهما لأنها أوثق سندا " ، وإنما أيضا " لعدم وضوح مفاد متنها .
فجميع الفرق الإسلامية تقول بالتمسك بالسنة النبوية ، ولكن لاختلاف هذه الفرق وتناقضها مع بعضها في كثير من المسائل يجعل لكل منها سنة مختلفة عن السنن الأخرى ، فأي من هذه السنن هي سنة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ؟
ومن الأحاديث التي يحتج بها الشيعة تأييدا " لحديث الثقلين ، قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق ) ( 3 ) ،
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق ، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف ) ( 4 ) .
( 1 ) المستدرك للحاكم ، ج 1 ص 93 .
( 2 ) لقد ضعف هذه الرواية كل من البخاري ، والنسائي ، والذهبي ، وغيرهم ، وذكر الدكتور أحمد بن حمدان ( السني ) في تحقيقه لكتاب ( شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ) ص 80 بشأن توثيق هذا الحديث : سنده ضعيف ، وقال يحيى : ليس بشئ ولا يكتب حديثه ، وقال البخاري : منكر الحديث ، وقال النسائي : متروك ) .
( 3 ) المستدرك على الصحيحين للحاكم ، ج 2 ص 343 ، ح 4715 .
( 4 ) المصدر نفسه ، ج 3 ص 149 .