بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليك يا أمين الله في ارضهِ، وحجته على عبادة،
السلام عليك يا أمير المؤمنين، اشهد انك جاهدت في الله حق جهاده وعملت بكتابه واتبعت سننن نبيه صلى الله عليه وآله حتى دعاك الله الى جواره فقبضك اليه باختياره والزم اعدائك الحُجة مع مالك من الحجج البالغة على جميع خلقه.
ما عسايَّ أن أقول في من كان ولا يزال حديث الأبطال وعشاق البطولات، وقدوة المجاهدين المخلصين في سبيل المبدأ والعقيدة، والمرجع الاول في التشريع والفلسفة والاخلاق والتربية والسياسة الحكيمة.
لقد كان علي بن ابي طالب (ع) حدثاً غريباً عن طباع الناس وعاداتهم.
فمنذُ ولادته في بيت الله وبين جدران الكعبة، حتى يوم استشهاده في بيتٍ من بيوت الله قد سطر لنا التأريخ صفحاتٍ عجزت العقول من قراءة سطورها بالعمق الذي كان يريده صاحبها لانه كما قال عنه رسول الله(ص).
((يا علي ما عرف الله حق معرفته الا أنا وانت، وما عرفني حق معرفتي الا الله وانت، وما عرفك حق معرفتك الا الله وانا.)).
فكيفَ بنا نحن نريد أن نعرف علي بن ابي طالب(ع) حق معرفته، فعلي عليه السلام سر من اسرار الله، وهو حجة من حجج الله، جعل الباري عزوجل فيه مقياس للايمان والنفاق،
قال رسول الله(ص)
((من سره أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة عدنٍ التي غرسها ربي، فليوالِ علياً وليوال وليَّه، وليقتدي بالائمة من ولده من بعدي فانهم عترتي، خلقوا من طينتي، ورزقوا فهمي وعلمي فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم شفاعتي.)) حلية الاولياء1/86
سيدي يا أمير المؤمنين
من أين ندخل الى كنه شخصيتك، ومن أين نغور في بحرِ علمك وجودك وعدلك.
فان نلج لشخصك من القرآن أو لست انت القرآن الناطق، فقد جسدت سيدي اياته وبيناته على الارض في خُلقك، فكان خلقك خُلق رسول الله الذي كان خلقه القرآن او لست انت نفس النبي حسب آية المباهلة
((فَمنْ حاجَّكَ فيهِ مِن بَعدِ ما جَاءَكَ مِنَ العِلمِ فَقُلْ تعالَوّا ندعُ ابِناءَنا وأبنَاءَكمْ ونِسَاءَنا ونِساَءَكَمْ وانفُسَنَاَ وانفُسَكُمْ ثُمَ نَبتَهِلْ فَنَجعَل لَّعنَةَ اللهِ عَلىَ الكاذِبِينَ.)) آل عمران 61
واجمع المفسرون على نزول هذه الآية في اصحاب الكساء محمد، علي، فاطمة، الحسن والحسين عليهم السلام ومما دلت عليه الآية المباركة من خصائص علي(ع) فضلٌ تضمحل دونه الخصائص ألا وهو كونه نفس النبي(ص) وجارياً بنص الآية مجراه الفضل الذي تعنو له الجباه، ويملأ الصدور هيبة واجلالاً
(( ذلك فضلُ الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم)) الجمعة/ 4
ولاشك أن الرسول محمد(ص) هو افضل الناس ومساوي الافضل أفضل.
وبذلك فقد اصبحت سيدي باباً من ابواب مدينة علم الرسول، واصبحت زوجاً للبتول بأمر السماء، واصبحت ولياً لكل مسلم ومسلمة بأمر السماء، واصبحت بمنزلة هارون من موسى بالنسبة الى صاحب الرسالة الرسول محمد(ص).
فقد قلت في خطبةٍ لك
(( وقد علمتم موقعي من رسول الله(ص) بالقرابة القريبة والمنزلةِ الخصيصة، وضعني في حجره وانا وليد، يضمني الى صدره، ويكتنفني فراشه، ويمسني جسده، ويشمني عرفه، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه، وما وجدَ لي كذبه في قول، ولا خطلةٍ في فعل،ولقد كنتُ اتبعه اتباع الفصيل أثر امه، يرفع لي في كل يومٍ من اخلاقه علماً ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري ولم يجمع بيت واحد يومئذٍ في الاسلام غير رسول الله وخديجة وانا ثالثهما، ارى نور الوحي والرساله، واشم ريح النبوة، ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه(ص) فقلت يا رسول الله ما هذه الرنة؟ فقال هذا الشيطان قد آيس من عبادته، انك تسمع ما اسمع، وترى ما ارى الا انك لست بنبي ولكنك وزير وانك لعلى خير.)) نهج البلاغة ـ الخطبة القاصعة
وان أردنا أن ندخل الى شخصية أمير المؤمنين(ع) من خلال السنة النبوية الشريفة، فقد كانت أقوال وافعال النبي(ص) تصب في التعريف بأهلِ البيت وتبيان منزلة علي بن أبي طالب في الرسالة الإسلامية، والنبي ما ينطق عن الهوى أن هو الا وحي يوحى.
فمنذُ أن صدح معلم الإنسانية الاول برسالته، وجهرَ بدعوته، كان الامام ملازماً لها بكل صفحاتها الفكرية والجهادية، فكلما يُغدق عليها بالتضحيات تغدق عليه بالسمو والرفعة، فأخذ من النبي وساماً في الشجاعة، ووساماً في القربى، ووساماً في الايمان والعلم.
ففي الشجاعة كان رائداً في ساحات الوغى من اجل إعلاء كلمة الله ونصرة الدين الحق.
وهذا الأمين جبرائيل يهتف بين السماء والأرض
(( لا فتى الا علي و لا سيف الا ذو الفقار))
وهذا وسام الرسالة في خيبر عندما قالَ الرسول، بعد أن عجز الاخرون سأعطي الراية غداً لرجلٍ كرار غير فرار، يُحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله
اسدُ الله مارأتْ مقلتاهُ نارَ حربٍ الا اسطلاها
فارسُ المسلمين في كلِ حربٍ قُطبُ محرابها إمامُ وغاها
وبه استفتحَ الهدُى يومَ بدرٍ من طغاةٍ أبت سوى طغواها
وله يوم َ خيبرٍ فتكاتٌ كبَرتْ منظرٌ على من رأها
يومَ قالَ النبي اني ساعطي رايتي ليثُها وحامي حماها
فاستطالت اعناقُ كلَ فريقٍ ليروا ايُ ماجدٍ اعطاها
فاتاه الوصي أرمدَ عينٍ فسقاها من ريقهِ فشفاها
فتحَ بابُها بقوةٍ بأسٍ لو حمته الافلاك منه حماها
وبخمٍ ماذا جرى يومَ خمٍ تلك اكرومةٍ أبت أن تضاها
اذ رقى منبرُ الحدائج هادٍ طاول السبعةَ العلى برُقاها
ايها الناس حدثوا اليومَ عني وليبلغُ أن الورى اقصاها
كلُ نفسٍ كانت تراني مولاً فلترى اليومَ حيدراً مولاها
نعم.. ان فضائل علي لا تحصى
ومناقبةُ لا تستقصى
وبحار علمهِ لا تنفذ
واطوار علمهِ لا تتزعزع
اعلمَ الناس بعد الرسول(ص) واجودهم واكرمهم،
وقد ابتدعَ للجودِ منهجاً اذ كان يطلب من السائل أن يكتب حاجته على الارض وينصرف.
يسألوه عن السبب، فيقول (عليه السلام )
(( كي لا ارى على وجهه ذل السائل، وارى على وجهي عِز المسؤول ))
سيدي أبا الحسن
ها انذا امدُ يديَّ على بُعدِ المسافة لاعانق شباك مرقدك الشريف في يومِ ولادتك، ها انذا اقبلُ ضريحك الطاهر لا جدد عهد، واحيي القيم التي جاهدت واستشهدت من اجلها.
اجل فأنت زعيم العداله، ونبراس الحق، وها نحنُ اليوم نلتاذ فيك نصيراً روحياً ومعلماً في قولِ الحق والوقوف وقفة حقٍ، فقبلّ الفٍ ونيفٍ من السنين رفعت للحقِ لواءاًَ فأصبح الحق هو علي وعلي هو الحق.
لقد استوحشنا طريق الحق الذي اوصيتنا أن لا نستوحشه لقلة سالكيه،
استوحشناه في درب الحياة فحدث ما حدث بنا.
لقد غفل الكثير عن قول كلمة الحق وابتعدوا عن الامرِ بالمعروف والنهي عن المنكر.
هل تقبل منا توبة ونحنُ بقايا حُلمٍ فعلت ما فعلت به سنين الحرب فأصبحنا غرباء في الوطن.
أو لست انت القائل
الفقر في الوطن غربه
لقد حفظنا لك سيدي قولك الجميل،(( عمل لدنياك كأنك تعيش ابدا واعمل لا خرتك كأنك تموت غدا.))
نعم حفظنا الشطر الاول فسيطرت علينا الدنيا بمادياتها فصدأت القلوب، وتغيرت النفوس، ولا ندري في أي ارضٍ نموت، ولا ندري في أي ساعةِ نموت، فالاحداث وانفلات الاوضاع فقدت فينا الامل، وقتلت فينا متعة الحياة، ولا نجد ملجأ الى الله نلوذ به الا حبك وولايتك.
هل تقبلني سيدي رقماً في ولايتك
وهل تقبلني سيدي خادماً لمحبيك وزوارك.
سيد أمير المؤمنين
ها نحنُ شيعتك تكالبت علينا الاعداء بغضاً لحبك الذي ذبنا فيه اتباعاً لامر الرسول ووفاءاً لجهد الرسول الذي لم يطلب اجراً الا المودة بالقربى.
ها نحنُ شيعتك سيدي على ذات الدرب نسير وبذات النهج نقتدي وبقولك نلتزم
(( لا تستوحشو طريق الحق لقلة سالكيه))
سيدي أمير المؤمنين
نحنُ اليوم نعيش غربة الحق، وغربة العدل،
نحنُ نعيش اليوم غربة مباديء وشحة مواقف،
فقد اختلطت علينا الاوراق، وكثرت فينا العناوين التي تدعي انتمائها لحقك وعدلك،
لقد هلك فيك سيدي اثنان، محبٌ افتتن فيك حد المغالاة، ومبغض ورث العداوة والبغضاء من تلك الشجرة الملعونة في القرآن ومازالت اوراقها الصفراء تتساقط في درب الولوج الى الحرية والانعتاق من معادلة الحيف والظلم التي حكمونا فيها في البلد الذي ملئ قلبك قيحاً.
ولكن عزائنا في فقدك سيدي أن منَّ الله علينا برجالٍ نهلوا من مدرستك وتربوا في احضان المكان الطاهر الذي حوى جسدك الطاهر،
لقد اصبح حُبك سيدي دليل الايمان، وبغضك دليل النفاق، لان من احبك أحب فيك قيم الايمان، قيم السماء التي ولدت بين جدرانها، وقيم المحراب الذي سقطت فيه شهيداً.
فاصبحت حياتك بين الكعبة والمحراب،
تلك الحياة التي عشت فيها، فاعطيت كل شيء من أجل الدين والرسالة، فجعلك الله قبلة الايمان والبوصلة التي تؤشر الاتجاه الصحيح للدين المحمدي الاصيل.
فمن سارَ باتجاه بوصلتك فقد تمسك بالعروةِ الوثقى ومن حادَ عن نهجك فقد غرق وهوى.
فلك ولائنا لا لغيرك
ومنك نبتغي الشفاعة فاشفع لنا عند ربك
السلامُ عليك سيدي يوم شهادتك والسلام عليك سيدي يوم تبعث حياً
ونسأل الله أن يتقبل منا هذا القليل بحقك.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..