مناظرة مؤمن الطاق مع أبي حنيفة (1)
قال أبوحنيفة لمؤمن الطّاق يوما من الايام :
لِمَ لَمْ يطالب عليّ بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ بحقه بعد وفاة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إن كان له حقُّ ؟
فأجابه مؤمن الطاق فقال : خاف أن تقتله الجن كما قتلوا سعد بن عبادة (2) بسهم المغيرة بن شعبة ، وفي رواية بسهم خالد بن الوليد (3).
____________
(1) هو : النعمان بن ثابت بن زوطي بن ماه ، مولى تيم الله بن ثعلبة الكوفي ، ويقال إنه من أبناء الفرس ، أحد الائمة الاربعة السنية صاحب الرأي والقياس والفتاوى المعروفة في الفقه ، ولد بالكوفة سنة 80 ، عاصر بعض معمري الصحابة ، أخذ عن التابعين والامام جعفر الصادق ـ عليه السلام ـ ، تاجر وتولّى التدريس والفتيا في الكوفة ، استدعاه المنصور لتولي القضاء في بغداد فرفض فأمر به الى السجن فكان يساط كل يوم حتى توفي في السجن سنة 150 هـ ، وقبره ببغداد في مقبرة خيزران ، له الفقه الاكبر ، ومسند أبي حنيفة.
تجد ترجمته في : الجرح والتعديل ج8 ص449 رقم : 2062 ، سير أعلام النبلاء ج6 ص390 رقم : 163 ، تهذيب الكمال ج29 ص417 رقم : 6439 ، المنجد ( الاعلام ).
(2) سعد بن عبادة : رئيس الخزرج ، وكان صاحب راية الانصار يوم بدر ، وأمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ صاحب لواء رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أجتمعت الانصار إليه وكان مريضا فجاءوا به إلى سقيفة بني ساعدة وأرادوا تأميره ، ولما تم الامر لابي بكر امتنع عن مبايعته ، فأرسل إليه أبوبكر ليبايع فقال : لا والله حتى أرميكم بما في كنانتي ، وأخضِّب سنان رمحي ، وأضرب بسيفي ما أطاعني ، وأقاتلكم بأهل بيتي ومن تبعني ، ولو اجتمع معكم الجن والانس ما بايعتكم حتى أعرض على ربي فقال عمر : لا تدعه حتى يبايع ، فقال بشير بن سعد : إنه قد لجَّ وليس بمبايع لكم حتى يقتل ، وليس بمقتول حتى يُقتل معه أهله وطائفة من عشيرته ولا يضركم تركه ، إنما هو رجل واحد فتركوه ، وقبلوا مشورة بشير بن سعد ، واستنصحوه لما بدالهم منه ، فكان سعد لا يصلّي بصلاتهم ، ولا يجمع معهم ، ويحج ولا يفيض معهم بافاضتهم ، فلم يزل كذلك حتى هلك أبوبكر ، وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج :
وخرج إلى حوران فمات بها ، قيل قتله الجن لانه بال قائما في الصحرأ ليلاً ، ورووا بيتين من شعر قيل : إنهما سُمعا ليلة قتله ولم يُرَ قائلهما :
نحن قتلنـا سيد الخز *** رج سعد بن عباده
ورمينـاه بسهميـن *** فلم نخطـئ فؤاده
ويقول قوم : إنَّ أمير الشام يومئذ كَمّن له من رماه ليلاً ، وهو خارج إلى الصحرأ بسهمين فقتله لخروجه عن طاعة الامام وقد قال بعض المتأخرين في ذلك :
يقولون : سعد شَكّتْ الجنُ قلبـَه *** ألا ربّما صححت دينك بالغــدر
وما ذنب سعد أنه بال قائمــا *** ولكنَّ سعـدا لم يبايـع أبابــكر
صبرت من لــذة العيش أنفسٌ *** وما صبرت عن لذة النهي والامر
راجع : تاريخ الطبري ج3 ص210 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج10 ص111 ، تنقيح المقال للمامقاني ج2 ص16 رقم : 6499 ، سفينة البحار للقمي ج1 ص620.
(3) الاحتجاج للطبرسي ج2 ص381 ، المناقب لابن شهر اشوب ج1 ص270 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج17 ص223 بتفاوت.