مناظرة الهيثم بن حبيب الصيرفي مع أبي حنيفة
عن محمّد بن نوفل قال : كنت عند الهيثم بن حبيب الصيرفي فدخل علينا أبو حنيفة النعمان بن ثابت ، فذكرنا أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ ، ودار بيننا كلام فيه.
فقال أبو حنيفة : قد قلت لاصحابنا : لا تقرّوا لهم بحديث غدير خم (2) فيخصموكم !!
فتغيّر وجه الهيثم بن حبيب الصيرفي وقال له : لم لا يقرون به أما هو عندك يا نعمان ؟
قال : هو عندي وقد رويته.
قال : فلم لا يقّرون به ، وقد حدّثنا به حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل (3) عن زيد بن أرقم (4) أنّ عليا ـ عليه السلام ـ نشد الله في الرّحبة من سمعه ؟
فقال أبو حنيفة : أفلا ترون أنه قد جرى في ذلك خوض حتى نشد علي الناس لذلك ؟
فقال الهيثم : فنحن نكذب عليا أو نردّ قوله ؟
فقال أبو حنيفة : ما نكذّب عليا ولا نردّ قولاً قاله ، ولكنّك تعلم أنّ الناس قد غلا فيهم قوم.
فقال الهيثم : يقوله رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ويخطب به ونشفق نحن منه ونتّقيه لغلوّ غال أو قول قائل ؟ ! ثمّ جاء مَنْ قطع الكلام بمسألة سأل عنها... الحديث (5).
____________
(1) وهو الهيثم بن حبيب الصيرفي الكوفي ، أخو عبد الخالق بن حبيب.
تجد ترجمـته فـي : الجـرح والتعـديل ج9 ص80 رقم : 327 ، ميزان الاعتدال ج4 ص320 رقم : 9295 ، تهذيبالتهذيب ج11 ص91 ، تهذيبالكمال ج30 ص369 رقم : 6642.
(2) تقدمت تخريجاته .
(3) وهو : ابو الطفيل عامر بن واثلة الليثيُّ الصحابي ، وقد روى ايضا مناشدة امير المؤمنين ـ عليه السلام ـ في الرحبة ، بدون واسطة زيد بن ارقم ، فقد روى احمد في مسنده ج4 ص370 : عن أبي الطفيل قال : جمع علي ـ عليه السلام ـ عنه الناس في الرحبة ثم قال لهم : انشد الله كلَّ امر مسلم سمع رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول يوم غدير خم ما سمع لمّا قام ، فقام ثلاثون من الناس ، وقال أبو نعيم : فقام ناس كثير ، فشهدوا حين أخذه بيده فقال للناس : أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا : نعم يا رسول الله ، قال : من كنت مولاه فهذا مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، قال : فخرجت وكأنّ في نفسي شيئا ، فلقيت زيد بن أرقم فقلت له : إنّي سمعت عليّا ـ رضي الله عنه تعالى ـ يقول : كذا وكذا قال : فما تنكر ؟ قد سمعت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول له ذلك.
وحكاه عن أحمد سندا ومتنا الحافظ الهيثمي في مجمعه ج9 ص104 ، واخرجه النسائي في الخصائص ص84 ح76 ، والكنجي في كفايته ص50 ، وابن كثير في البداية ج5 ص211 ، والبد خشي في نزل الابرار ص20 ، وابن الاثير في أُسد الغابة ج5 ص276.
(4) وممن اخرجه عن زيد بن ارقم ، الهيثمي في مجمع الزاوئد ج9 ص106 قال : نشد عليُّ الناس فقال : أنشد الله رجلاً سمع النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول : من كنت مولاه فعلىُّ مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ؟ فقام اثنا عشر رجلاً بدريّا فشهدوا بذلك وكنت فيمن كتم ، فذهب بصري.
وقريب منه في : ذخائر العقبى ص67 ، ابن كثير في البداية والنهاية ج7 ص346. وجاء في شرح النهج لابن ابي الحديد ج4 ص74 ، وروى أبو إسرائيل عن الحكم عن أبي سليمان المؤذن ، أنّ علياً ـ عليه السلام ـ نشد الناس مَنْ سمع رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ ، يقول : مَنْ كنت مولاه فعليّ مولاه ! فشهد له قوم وأمسك زَيْد بن أرقم ، فلم يشهد ـ وكان يعلمها ـ فدعا علي ـ عليه السلام ـ عليه بذهاب البصر فعمِيَ ، فكان يحدّث الناس بالحديث بعد ما كُفّ بصره.
(5) امالي المفيد ص26 ح9 ، بحار الانوار ج47 ص401.