إلى مجالس المحافظات..مع التحية
نـــــزار حيدر
الان وقد اكتملت، تقريبا، صورة مجالس المحافظات، بعد ان وزعتم المهام وشكلتم اللجان وانتخبتم المسؤولين، ووضعتم الخطط، اسمحوا لي ان اتقدم لكم بالرسالة التالية، التي اتمنى ان تعينكم على اداء مهامكم التي وكلت لكم من قبل الناخب الذي ائتمنكم عليها، عندما منحكم ثقته في الانتخابات العامة الاخيرة.
انتم الان عند مفترق طرق، وان امامكم منهجين، عليكم ان تختاروا احدهما، فالنقيضان لا يجتمعان، فاما ان تختاروا نهج علي، نهج العمل الصالح والعدل والمساواة بين الرعية والنزاهة والشجاعة في تحمل المسؤولية، او نهج معاوية، نهج القتل والفتك والتآمر والعدوان والتمييز والفساد المالي والاداري، نهج الحسين السبط، نهج التضحية من اجل الصالح العام ورفض الظلم والاستقامة، او نهج يزيد، نهج الفجور والمجون وتضييع الحقوق واتخاذ مال الله دولا وعباده خولا؟.
انه خيار المنهج يا اصحابي، كيف؟.
اولا:
سأرجئ تقديم التهاني لكم، بمناسبة فوزكم بثقة الناخب، الى ما بعد اربع سنوات، فاذا جدد الناخب ثقته بكم، فساضاعف لكم التهاني، لان فوزكم مرة اخرى، دليل نجاحكم، ودليل قناعة المواطن بما انجزتم، ولذلك فستستحقون وقتها مضاعفة الاجر، وهو هنا التهاني.
اما اذا فشلتم في تجديد ثقة الناخب بكم، الامر الذي يعني بانكم لم تحققوا للمواطن ما يمكن ان يقنعه بصواب عملكم وقيمة انجازكم، فعندها سوف لن تنفعكم لا التهاني ولا غيرها.
ثانيا:
توليكم للمنصب الجديد ليس نهاية العالم، فان يومكم هذا له ما بعده، فاعملوا اليوم بما ترحمون به انفسكم غدا.
وعندما يفقد (14) محافظا في (14) محافظة مواقعهم لصالح زملائكم في المجالس الجديدة، هذا يعني بان صندوق الاقتراع شديد الوطأة لن يتحمل قسوته احد، ولا طاقة لاحد بتحدياته الجدية، الا من كان صادقا مع نفسه وشعاراته والتزاماته وناخبيه.
ان بقاءكم من عدمه في مواقعكم الجديدة، بايديكم، فاذا احسنتم الانجاز ولم تلوثوا ايديكم بالمال الحرام تحت مسميات مختلفة، فان ذلك سيمنحكم اعتبارا عند الناس، ما يمكن ان يكون سببا في بقائكم في مواقع المسؤولية طوال حياتكم.
ثالثا:
كونوا قريبين من المواطن، واسعوا للاصغاء الى را ي الشارع، بكل الوسائل المتاحة، والتي منها:
اللقاءات المباشرة، ووسائل الاعلام، وصناديق الشكاوى، ووسائل الاتصال المباشر كالعناوين والمواقع الالكترونية، بالاضافة الى اللجان الاستشارية ولجان المتابعة التي يجب ان تتواجد بين الناس دائما.
يقول امير المؤمنين عليه السلام في رسالة الى بعض عماله {لا تحشموا احدا عن حاجته، ولا تحبسوه عن طلبته}.
ويقول عليه السلام في وصيته لعبد الله بن عباس عند استخلافه اياه على البصرة {سع الناس بوجهك ومجلسك وحكمك، واياك والغضب فانه طيرة من الشيطان}.
لا تتهربوا من نصح الناصح، بغض النظر عن مكانته واسمه ورسمه وزيه، ولا تتشاءموا من حذر المحذرين، فان (من حذرك كمن بشرك} على حد قول امير المؤمنين عليه السلام، ولا تتضايقوا من راي، ولا تتطيروا من مشورة.
تعاملوا بلطف مع الناس ولا تتكبروا عليهم، فهم اولي النعمة عليكم وليس العكس ابدا.
يقول امير المؤمنين عليه السلام في عهده الى مالك الاشتر {واشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم، ولا تكونن سبعا ضاريا تغتنم اكلهم}.
رابعا:
استفتحوا عهدكم باطلاق حملة شعبية من اجل:
الف؛ محافظة نظيفة، اذ ليس من المعقول ان تبقى محافظاتنا قذرة مملوءة بالاوساخ في كل مكان، وكانها حاوية اوساخ كبيرة جدا، اوليست {النظافة من الايمان} اولم يقل الرسول الكريم (ص) {تنظفوا فان الاسلام نظيف}؟.
باء؛ خالية من المتسولين ومن ظاهرة بحث العوائل الفقيرة في حاويات القمامة، اذ ليس من المعقول ان يتخم مواطن، وزير مثلا او عضو في مجلس النواب، بملايين الدنانير شهريا، فيما لا تجد عوائل كثيرة قوت يومها الا في حاوية قمامة، ام ان العراق اصبح اليوم مصداق قول امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام {ما رايت نعمة موفورة الا وبجانبها حق مضيع}؟.
جيم؛ خالية من الرشوة، التي اضحت اليوم كالسوسة تنخر بجسد الدولة وكل مرافقها، بعد ان اصبحت ظاهرة ملازمة لكل الدوائر الحكومية.
دال؛ خالية من الروتين، الذي حول دوائر الدولة الى ما يشبه دولاب الهواء، يدور بداخله المراجع من دون نتيجة..
هاء؛ خالية من العاطلين عن العمل، فالبطالة تسبب الجريمة، والجريمة تعرقل البناء والتنمية.
ولتكن هذه الحملة، بمثابة الخطة الاولى قصيرة الامد، الستة اشهر الاولى مثلا، لعهدكم الجديد.
خامسا:
افتخروا باعمالكم، وما ستنجزوه، ولا تتفاخروا بانسابكم، وانتماءاتكم الحزبية والسياسية، فالمواطن لا ينتفع الا بما ستنجزوه.
يقول الامام علي بن ابي طالب عليه السلام {من ابطأ به عمله، لم يسرع به نسبه} وفي قول آخر {من فاته حسب نفسه، لم ينفعه حسب آبائه}.
لذلك، اسعوا لان تميلوا مع مصالح الناخب اينما مالت، واذا تعارضت مع مصالح تياراتكم وقوائمكم وتحالفاتكم السياسية واحزابكم، فاضربوا بها عرض الحائط وقدموا مصالح الناخب عليها، لانه منحكم ثقته من اجل مصالحه وليس من اجل مصالح حزبكم او قوائمكم.
يقول امير المؤمنين عليه السلام في رسالته الى بعض عماله {انصفوا الناس من انفسكم، واصبروا لحوائجهم، فانكم خزان الرعية ووكلاء الامة، وسفراء الائمة}.
سادسا:
تعلموا ممن سبقكم، نجاحهم وفشلهم، حلوهم ومرهم، حسن عاقبتهم وسوء منقلبهم، لتتعضوا بهم وتختصروا المسافة وتقللوا من تكرار التجارب، وان لا تغتروا بالمنصب الذي لو دام لغيركم لما وصل اليكم، فلقد ظن البعض ممن سبقكم انهم جلسوا على مقعد لا ينهدم بنيانه ولا يزول ملكه، فالتصقت مؤخرتهم به، اذا بهم في ليلة وضحاها اهلكم الله تعالى واستبدلكم بهم.
يقول امير المؤمنين عليه السلام يوصي ابنه الحسن السبط عليه السلام {احي قلبك بالموعظة، وامته بالزهادة وقوه باليقين ونوره بالحكمة، وذللـه بذكر الموت، وقرره بالفناء، وبصره فجائع الدنيا، وحذره صولة الدهر، وفحش تقلب الليالي والايام، واعرض عليه اخبار الماضين، وذكره بما اصاب من كان قبلك من الاولين، وسر في ديارهم وآثارهم، فانظر فيما فعلوا وعما انتقلوا، واين حلوا ونزلوا، فانك تجدهم قد انتقلوا عن الاحبة وحلوا ديار الغربة، وكانك عن قليل قد صرت كاحدهم، فاصلح مثواك، ولا تبع آخرتك بدنياك}.
سابعا:
خلدوا اسماءكم ولو بمنجز واحد ينفع الناس، يذكرونكم بالخير كلما مروا عليه، ويدعوا لكم بالمغفرة كلما تنعموا به.
لقد دعا نبينا ابراهيم، عليه وعلى نبينا وآله آلاف التحية السلام، ربه ان يرزقه لسان الصدق عند الناس فقال {واجعل لي لسان صدق في الاخرين} والمراد به ان يجعل الله تعالى له ذكرا جميلا وثناءا حسنا بعده الى يوم القيامة، وقد استجاب الله دعاءه فاهل الاديان يثنون عليه ويذكرونه بالجميل.
ويقول امير المؤمنين عليه السلام {الا وان اللسان الصالح يجعله الله تعالى للمرء في الناس، خير له من المال يورثه من لا يحمده}.
اتركوا بصماتكم الايجابية والحسنة على محافظاتكم واهلها.
كونوا مفخرة ولا تكونوا مسخرة.
كونوا مثلا ولا تكونوا معتبرا.
لا تعجبوا باعمالكم، فان {الاعجاب ضد الصواب، وآفة الالباب، فاسع في كدحك ولا تكن خازنا لغيرك، واذا انت هديت لقصدك فكن اخشع ما تكون لربك} على حد قول امير المؤمنين عليه السلام، في وصيته لابنه الحسن السبط عليه اليسلام.
فانظروا كيف ستخلدون انفسكم عند اهل محافظاتكم، افي سماء العراق كالنجوم الزاهرة والاقمار المنيرة، ام في مزبلة التاريخ، وساءت منقلبا ومصيرا؟.
ثامنا:
لا ترددوا كلمات مثل (سوف) و (السين) على السنتكم، وفي خطاباتكم واحاديثكم، فلا تعدوا بما لا تقدروا عليه، ولا تتحدثوا عن منجز الا بعد الانتهاء منه، ليثق بكم الناس، فان من كان قبلكم تحدثوا عن مشاريع كثيرة وعن اعمال اكثر وعن مشاريع (عظيمة) اكتشف الناس بعد مدة انها لم تكن الا على الورق، وانها لم تكن اكثر من (نفخ) عراقي اصيل، وانها لم تكن اكثر من ادعاءات حاول مروجوها تسويقها لشراء اصوات الناس، ولقد نسوا امثال هؤلاء ان المرء بامكانه ان يخدع الناس بعض الوقت في بعض الاحيان، ولكن ليس بامكانه ذلك في كل الوقت وفي كل الاحيان.
يقول امير المؤمنين عليه السلام {وقد ارعدوا وابرقوا ومع هذين الامرين الفشل، ولسنا نرعد حتى نوقع، ولا نسيل حتى نمطر}.
تاسعا:
اكرموا انفسكم عن كل عمل دنئ، فلا تقربوا المال العام الا بالتي هي احسن، ولا تمدوا ايديكم الى حرام ولا تقبلوا رشوة، حتى اذا كانت على هيئة هدية، فانهى الحالقة.
يقول امير المؤمنين عليه السلام في وصيته الى الحسن السبط عليه السلام {واكرم نفسك عن كل دنية، وان ساقتك الى الرغائب، فانك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضا، ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا}.
ويقول عليه السلام {بأس الطعام الحرام}.
لتكن سريرتكم كعلانيتكم، فلا تعملوا في سركم ما تخجلون منه في علانيتكم.
يقول امير المؤمنين عليه السلام {واحذر كل عمل يعمل به في السر، ويستحى منه في العلانية، واحذر كل عمل اذا سئل عنه صاحبه انكره او اعتذر منه}.
ان ذلك يجعلكم ممن لا تخافون المساءلة ولا تخشون المحاسبة، وستتعاملون بصدق وشفافية وصراحة ووضوح، وهي اعمدة النجاح وسر التفوق، لانكم لا تخافون من شئ لم تفعلوه او من امر خطا لم ترتكبوه.
ثم، احذروا ان يكون في حضرتكم مظلوم، فان {ظلم الضعيف افحش الظلم} على حد قول علي بن ابي طالب عليه السلام.
واياكم والايتام، فلا يظلموا بحضرتكم.
يقول امير المؤمنين عليه السلام في وصية له للحسن والحسين عليهما السلام {الله الله في الايتام، فلا تغبوا افواههم، ولا يضيعوا بحضرتكم}.
عاشرا:
تميزوا في علاقاتكم داخل المجلس، ولتكونوا كالفريق الواحد يعمل ويتعاون ويراقب وينقد ويشجع ويتكافل ويتواصل ويمكن بعضكم بعضا، فبذلك ستنجحون وستحققون ما يصبو اليه الناخب، والعكس هو الصحيح، فالتقاطع والتدابر والتخاصم والتنازع يذهب بريحكم ويفقدكم سمعتكم وصدقيتكم عند الناس، ولا يظنن احد منكم ان فشل زميله يمنحه قوة، ابدا، فاما ان تنجحون جميعكم، او ان تفشلوا وتسقطوا سقوطا جماعية موديا.
يقول امير المؤمنين عليه السلام في وصيته للحسن السبط عليه السلام {احمل نفسك من اخيك عند صرمه على الصلة، وعند صدوده عن اللطف والمقاربة، وعند جموده على البذل، وعند تباعده على الدنو، وعند شدته على اللين، وعند جرمه على العذر، حتى كانك له عبد، وكانه ذو نعمة عليك}.
ويضيف عليه السلام {وامحض اخاك النصيحة، حسنة كانت او قبيحة}.
لا تقربوا خائن ولا تتخذوا من فاشل او ذي سمعة سيئة بطانة.
يقول امير المؤمنين عليه السلام {واحذر صحابة من يفيل رايه، وينكر عمله، فان الصاحب معتبر بصاحبه}.
حادي عشر:
كونوا ممن يتعظ بالتجربة، وينتبه للاشارة ويتعلم من الخطا ولا يجرب المجرب. يقول امير المؤمنين عليه السلام في وصيته للحسن السبط عليه السلام {لا تكونن ممن لا تنفعه العظة الا اذا بالغت في ايلامه، فان العاقل يتعظ بالاداب، والبهائم لا تتعظ الا بالضرب}.
ويقول عليه السلام في كتاب له الى الحارث الهمذاني {واعتبر بما مضى من الدنيا لما بقي منها، فان بعضها يشبه بعضا، وآخرها لاحق باولها، وكلها حائل مفارق}.
ثاني عشر:
الله الله في اهل محافظتكم، فهم الذين لولاهم لما كنتم في هذه المواقع، فليكن ولاءكم وخدمتكم اليهم، وليكن ميلكم معهم، فهم اهلكم وهم عشيرتكم.
يقول امير المؤمنين عليه السلام يوصي ولده الامام الحسن السبط عليه السلام {واكرم عشيرتك، فانهم جناحك الذي به تطير، واصلك الذي اليه تصير، ويدك التي بها تصول}.
ثالث عشر:
الله الله في رضا العامة، فانه اساس الحكم، ودليل العدل والسبيل الى تحقيق النجاحات.
يقول امير المؤمنين عليه السلام في كتاب له الى الحارث الهمذاني {واحذر كل عمل يرضاه صاحبه لنفسه، ويكره لعامة المسلمين}.
كما يقول عليه السلام لمالك الاشتر رحمه الله في عهده اليه عندما ولاه مصر {وليكن احب الامور اليك اوسطها في الحق، واعمها في العدل، واجمعها لرضى الرعية، فان سخط العامة يجحف برضا الخاصة، وان سخط الخاصة يغتفر مع رضا العامة} الى ان يقول عليه السلام {وانما عماد الدين وجماع المسلمين، والعدة للاعداء، العامة من الامة، فليكن صغوك لهم، وميلك معهم}.
لا تقضوا وقتكم لارضاء الخاصة، فانهم لا يشبعون، ولا تبذلوا الكثير من الجهد لترضيتهم، فانهم جشعون، بل ليكن جهدكم منصب لارضاء العامة، فهم الذين ضحوا زمن النظام البائد، وهم الذين تضرروا بعد التغيير، فلابد ان يتحسسوا التغيير في حياتهم، بما تبذلونه من جهد من اجل تحسين اوضاعهم، المعيشية والاقتصادية والتربوية وغيرها، لتنهضوا بها.
رابع عشر:
تعاملوا مع الموقع كمسؤولية، فانظروا كيف تصونوها من العبث والاسراف واللهو؟.
يقول امير المؤمنين عليه السلام، في كتاب له الى اشعث بن قيس {وان عملك ليس لك بطعمة ولكنه في عنقك امانة، وانت مسترعى لمن فوقك، ليس لك ان تفتات في رعية، ولا تخاطر الا بوثيقة، وفي يديك مال من مال الله عز وجل، وانت من خزانه حتى تسلمه الي، ولعلي الا اكون شر ولاتك لك}.
خامس عشر:
اخيرا، خطوا قول رسول الله (ص) {ملعون ملعون من ضيع من يعول} بماء الذهب وعلقوه فوق رؤوسكم، في مكاتبكم الخاصة وفي قاعات الاجتماعات، ليكون لكم هاديا وراشدا لفعل الخير، حتى لا تضيعوا الرعية، بالانشغال بمصالحكم الخاصة.
وتذكروا ان {حوائج الناس اليكم، من نعم الله عليكم} فهل ستشكرون النعمة ليزيدها الله تعالى، ام ستكفرون بها، وهو القائل في محكم كتابه الكريم {واذ تاذن ربكم لان شكرتم لازيدنكم ولئن كفرتم ان عذابي لشديد}.
وما توفيقنا وتوفيقكم الا بالله العلي العظيم.
14 مايس (ايار) 2009
منقـــــــــــــــول