البكاء على حال
النفس
بسم الله الرحمن
الرحيم
ورد في الشرع الإسلامي أنه يستحسن للإنسان أن يبكي على حاله، وإذا ما توصلنا إلى
معرفة أحوالنا فلابد أننا سنبكي إلا أننا غافلون عن أنفسنا.
لقد خلق الإنسان من أجل هدف معين ووضعت على كاهله مسؤولية. لذا يجب أن لا يغفل عن
هذا الهدف وهذه المسؤولية، إن ما تسمعونه من بكاء أئمة الهدى عليهم السلام مع أنهم
كثيرو العبادة والصلاة وعارفون بكل شيء بحيث لا يمكن أن يفوتهم شيء من المعارف
الإلهية ويعبدون الله بكل اشتياق ولهفة, إن بكاءهم هذا نتيجة لمعرفتهم بأنفسهم
وأحوالهم.
فلماذا يبكون إذن مع كل ما يمتلكون؟
إنهم يبكون لفوات بعض الأعمال العبادية[1] عليهم قصوراً.
أما بالنسبة لنا فلا يعتبر ذلك لأن الإنسان ينشغل بضروريات الحياة من أكل وشرب
ونزهة وانبساط, طبعاً هذه الأعمال مباحة ولا إشكال فيها، بل أحياناً تكون أعمال
راجحة لأمثالنا، إلا أن الإنسان الذي وصل إلى مرتبة القرب من الله, فإن اللحظة
الواحدة بالنسبة إليه تكون ثقيلة جداً على نفسه عندما يصرفها في الأعمال الحياتية
الضرورية أو لا يستغلها في العبادة.
نعم, إنهم يبكون على فوات لحظة واحدة بينما نحن لا نفهم لماذا يبكون, بل نتعجب
ونقول: هل يمكن البكاء على فوات لحظة؟ لأننا محجوبون عن رؤية الواقع أما أولئك فإن
الغطاء قد كشف لهم فأصبحوا يشاهدون ما وراءه.
قال تعالى: ﴿ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ... ﴾[2].
إن كل لحظة ـ أقل من الثانية ـ من حياتكم يمكن أن تؤدي بكم إلى نيل الدرجات العلى
يوم القيامة؛ ومع ذلك سترون في ذلك اليوم (مليارات) من أمثال هذه اللحظة قد ذهبت
هدراً من حياتكم. أليس في ذلك حسرة؟!
هذا إذا لم تقضوا هذه (المليارات) من اللحظات ـ لا سمح الله ـ في طريق بعيد عن
الله تعالى، وعن الهدف الذي خلقتم من أجله.
إذن فالبكاء على النفس, والبكاء على المصير بعد الموت, والبكاء على المآل يوم
القيامة ـ وهو أصعب مما بعد الموت ـ عمل جيد ومستحسن، ولأننا نشاهد الموت ووحدة
القبر وظلمته فإننا ندرك ذلك.
نحن الآن وسط الأصدقاء والزملاء والعائلة واللذائذ وغير ذلك. إلاّ أن هناك زماناً
سيأتينا وقد يكون بعد ساعة أو سنة أو عشرين سنة سيلفنا نفس هؤلاء الأشخاص وسط قطعة
من القماش ويدفنوننا في التراب, عندها ستكون الوحدة والغربة والبعد عن ما أعتدنا
عليه أمراً صعباً جداً، خاصة بالنسبة لمن يعتقد بأنه سيترك ليأتيه ملائكة الله
للسؤال, وقد ورد في زيارة آل ياسين (وسؤال منكر ونكير حق) يعني أن لذلك واقعية.
إن الذي يجعلنا نجهل قيمة البكاء من أهوال يوم القيامة هو بعدها عن أعيننا وحواسنا
مع أن تلك الأهوال أصعب آلاف المرات مما يعرض لنا في الحياة ونعتبره صعباً جداً.
فإذا كنتم تحبون البكاء من هذه الأمور, فعليكم أن لا تخجلوا من ذلك ولا ينتابكم
الحياء((لا تتركه حياءً))، فهذا قانون, فإن كنتم أهل تعبد وتعشقون أداء العبادات
فعليكم بها، ولا تقولوا أننا عندما نتقرب إلى الله بركعتين فسيقول الناس إنهم
يصلّون رياءً، فليقولوا ذلك إنهم مخطئون إلا أن علينا أن لا نترك العبادات.