لقد كان الإمام الخميني (قده) هبة إلهية أكرمنا الله بها نحن أبناء القرن العشرين (عصر سيادة المادة على الروح) ... وأعاد الروح إلى جسد الأمة وبعث الإسلام من جديد ... هذا الإمام الذي أخرج الإسلام المحمدي الأصيل من القمقم الذي حبس فيه منذ أن خر أمير المؤمنين صلوات الله عليه صريعا في محراب صلاته... وصعدت روحه إلى معشوقها الأبدي ... وعندما ابتز ابن آكلة الأكباد سبط الرسول ونسمة البتول حقه ونزا على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله...
إن أعظم كرامة حدثت للإمام الخميني (قده) هي تلك الدولة الإسلامية التي حققت حلم الأنبياء والمرسلين التي بسببها بزغ من جديد نور الإسلام الأصيل على أرجاء المعمورة ... إن حياة الإمام كلها كرامة ... وهي قبس من شعلة تلك الملاحم التي سطرها آباءه الكرام وسار عليها أسلافه العظام ... وفي هذه الأسطر القليلة أرغب أن انقل اللقاء التالي العجيب الذي تم قبل بداية النهضة المباركة بسنين عديدة بين الإمام الخميني وآية الله السيد علي القاضي (قدس سرهما) من كتاب (قبسات من سيرة الإمام الخميني) مما له من دلالة عظيمة وبشرى للمؤمنين والمستضعفين المظلومين ... وان الحديث عن هذا العظيم لا يمكن أن يسبر غوره ... ولكن ما لا يدرك كله لا يترك كله ...
يقول آية الله السيد أحمد النجفي: كان المرحوم آية الله الشيخ عباس القوجاني – وهو والد زوجتي – كان يعرف مسبقاً – وهو في النجف – ببعض القضايا التي وقعت للإمام وقد أخبرني بها قبل وقوعها، وقد سألته يومها: من أين عرفتم بهذه الأمور؟ فروى لي الحادثة التالية، قال: كنا ملازمين للمرحوم آية الله الحاج السيد علي القاضي – وهو الأستاذ الأخلاقي لمجموعة من الأعاظم مثل الشيخ بهجت، المرحوم القوجاني والمرحوم السيد الميلاني وغيرهم – كنا نذهب إليه كل يوم ونستفيد من محضره، وقد جاء يوماً اثنان من تلامذته الملازمين لحضور درسه وقالوا له: إن سماحة السيد الحاج آغا روح الله الخميني (وكان الإمام يومها يعرف بهذا اللقب) قد جاء إلى النجف وهو يرغب في زيارتكم.
فرحنا كثيراً عندما سمعنا هذا الخبر، لان هذا اللقاء سيكون سبباً لتعريف أستاذنا (القاضي) لحوزة قم كما إننا كنا من تلاميذ الإمام أيضا وكان من المهم لنا أن نعرف تأييد شخصية مثل المرحوم القاضي له.
حل موعد اللقاء وجاء الإمام، وكنا جالسين في مكتبة السيد القاضي، فلما دخل سلم على السيد القاضي، وكانت سنة السيد القاضي القيام لكل من يدخل عليه، ويدعو بعضهم إلى الجلوس في مكان خاص، لكنه لم يفعل ذلك مع الإمام ولم يدعه للجلوس في مكان بارز، وقد جلس الإمام بكل أدب عند باب الغرفة!
لقد تأذى طلبة الإمام الذين حضروا هذا اللقاء من عدم قيام المرحوم السيد القاضي لهذا الرجل الجليل والعالم الفاضل والصالح القادم من حوزة قم ، وقد دخل أيضاً الطالبان اللذان عرّفا الإمام للسيد القاضي وجلسا في مكانهما المعتاد . مضت أكثر من ساعة من هذا اللقاء في صمتٍ كامل! فلم يتحدث أحد بشيء ، جلس الإمام مطرقاً إلى الأرض طوال هذه المدة وهو ينظر إلى يده ، وهكذا كان حال السيد القاضي جلس مطرقاً إلى الأرض أيضاً!
وبعد مدة رفع المرحوم القاضي رأسه فجأة والتفت إليّ وقال: سماحة الشيخ الحاج عباس! اجلب ذلك الكتاب! كنت أعرف جيداً جميع الكتب الموجودة في مكتبته فقد قدمت له بعضها ما يقارب المائة مرة أو يزيد، وقد تعرفت على الضروري من مطالبها ، بمجرد أن قال: اجلب ذلك الكتاب، تحركت يدي دون اختيار نحو كتاب لم أره من قبل في المكتبة! كما أنني لم أسأل السيد القاضي: أي كتاب تقصدون؟ أو مثلاً أين هو؟ هل هو في الجانب الأيمن من المكتبة أم الجانب الأيسر أم في الطابق العلوي؟! لقد تحركت يدي بغير إرادتي ووقعت على ذلك الكتاب!!
عندما جلبت ذلك الكتاب قال لي السيد القاضي: افتحه ، قلت: أي صفحة منه يا سيدي ؟ قال: أي صفحة كانت!! فتحت الكتاب دون تعيين فوجدته مكتوباً باللغة الفارسية فزاد تعجبي، لقد لازمت المرحوم القاضي عدة سنين لكنني لم أر هذا الكتاب ولم أر حتى جلده ولا مرة واحدة!!
عندما فتحت الكتاب وقع نظري على عنوان (حكاية) مكتوب في أول الصفحة ، قلت: مكتوب في الصفحة عنوان (حكاية) يا سيدي ، فقال : لا بأس، اقرأ!
كان مضمون الحكاية هو: كانت توجد مملكة يحكمها سلطان وقد جرها إلى الدمار الديني بسبب ما كان يفعله فيها هو وعائلته من فسق وفجور ومعاص ، فشاع الفساد في جميع أرجائها. فانتفض ضده عالم جليل ورجل روحاني الهي ، نصحه في البداية بكل وسيلة ممكنة فلم ينفعه النصح ولذلك اضطر إلى أن يصعّد من إجراءاته ضده الأمر الذي أثار السلطان فاعتقل ذلك العالم الديني وسجنه ثم نفاه إلى احد الممالك المجاورة بقي فيها مدة ثم نفاه إلى مملكة أخرى فيها عتبات مقدسة ، وقد عاش فيها إلى أن شاءت إرادة الله أن يعيده إلى مملكته الأولى وأن يهرب منها ذلك السلطان ويموت خارجها ، وأن يحكمها ذلك العالم الجليل وأن تتحول- تدريجيا - إلى مدينة فاضلة وأن لا يتطرق إليها الفساد إلى ظهور حضرة بقية الله المهدي – عجل الله فرجه - .
إلى هنا انتهت الحكاية فقلت للسيد القاضي: لقد انتهت الحكاية يا سيدي ، وتوجد بعدها حكاية أخرى ، فقال : يكفي ما قرأته ، أغلق الكتاب وأرجعه إلى مكانه .ففعلت .وكنا لازلنا جميعاً في أذى من عدم قيام السيد القاضي للإمام ، وقد ازداد تعجبنا من سلوكه اللاحق وقلنا في أنفسنا : لماذا يأمر بقراءة حكاية في حضور سماحة السيد الحاج آغا روح الله بدلاً من أن يحدثه بمطلب عرفاني أو فلسفي أو علمي يحمله معه كهدية لحوزة قم! والنقطة المهمة للغاية حادثة اجتماع السيد القاضي بالإمام ، هي إن الشخصين المذكورين اللذين رافقتهما (رافقهما) الإمام إلى الزيارة ، كانا قد انزعجا كثيراً من طريقة السيد القاضي مع الإمام ، ولذلك فقد سألا الإمام بعد أن خرجوا : كيف وجدت السيد القاضي؟ أجاب الإمام على هذا السؤال – بأن قال ثلاث مرات : لقد وجدته عظيماً جداً ، أعظم مما كنت أتصور!
هذا الجواب يكشف حقيقة أن الأمام قد تخلص من أي أثر لهوى النفس في وجوده ، لأن رد الفعل الطبيعي تجاه هذه الطريقة في التعامل من كل من كانت له ما كانت للإمام من مكانة علمية في حوزة قم ، هو أن يهز يده أو رأسه- على الأقل – كإشارة يرد بها أن يقول : لايهمني مثل هذا التعامل! أما الإمام فلم تترك عليه حركات السيد القاضي ( وهي بلا شك حركات محسوبة ولعل هدف السيد القاضي منها هو امتحان ومعرفة القوة الروحية والمعنوية للإمام ) ، لم تترك عليه أي أثر يجعل النفس تدفعه إلى اتخاذ رد فعل تجاهها، ولا يخفى أن السيطرة على النفس في مثل هذه الحالة يحتاج إلى قوة معنوية عالية للغاية .
إن الإمام بعدم الرد بالمثل على الطريقة الظاهرية للسيد القاضي في التعامل معه ، بل وعمد إلى التصريح بعظمة مقامه وقد شعرنا – من خلال ملاحظة جميع تقاسيم وجهه وحالة عينه – أنه ما قاله بشأن السيد القاضي صادر عن قناعة قلبية وعن صدق كامل ، على النقيض مما هو حالنا فكل وجودنا قائم على المجاملات الواهية والمتكلفة ، في حين قتل الإمام في نفسه كل هذه الحالات النفسية المرضية .
لقد وقعت هذه الحادثة وهذا الاجتماع قبل قضية حادثة (15) خرداد وما بعدها. لقد عاد الإمام إلى إيران وقم ، وكان يذكر السيد القاضي بالكثير من التجليل والاحترام في جواب كل من يسأله عنه من فضلاء الحوزة وطلبتها ، وكان يقول عنه: ( يوجد في النجف أشخاص يجب الانتفاع من بركات وجودهم كثيراً ).
ثم إن المرحوم الشيخ القوجاني كان يقول بشأن وقوع كل حادثة من الحوادث التي كانت تقع في مسيرة الثورة: هذه الحادثة كانت مذكورة في تلك الحكاية! ثم كان يكرر القول: إن السيد الحاج آغا روح الله سيرجع إلى إيران حتماً ويمسك بزمام أمورها وستتحقق بقية الأشياء حتماً ولا ريب في ذلك!
ولذلك كان الشيخ القوجاني من أوائل الذين جاؤوا إلى إيران- بعد عودة الإمام وانتصار الثورة- وبايع الإمام (قبسات من سيرة الإمام الخميني، الحالات العبادية والمعنوية، إعداد: غلام علي الرجائي، الدار الإسلامية، الطبعة الأولى 1423-2002، ص 160
هذه القصة الرائعة التي حدثت معه رضوان الله عليه وهي من كتاب ( رحلتي مع الجلاد )..
يقال أن فبل قيام الثورة الإيرانية المباركة ..حضر الشاه لزيارة في الحوزة الدينية للعلماء .. مؤكد هدفه من هذه الزيارة هو هدف سياسي .. فقام العلماء للشاه المقبور بعضهم خوفا منه والبعض (تقية) خوفا من بطشه ، ولكن عندما وصل الى روح الله الموسوي الخميني (قدس سره) تفاجأ بأن الإمام غير مكترث لوجود الشاه ولم ينهض له ، فهمس الشاه للامام وقال له إن العصاة التي ضرب بها والدي والدك مازلت أحتفظ بها معي (وهذا نوعا من التهديد) ... علما بأن الذي قتل والد الامام هو والد الشاه (رضا خان) ... فأجابه الامام على الفور وقال له (( إن المداس الذي ضرب بها والدي والدك موجود قرب الباب)) .... وان دل انما يدل على روح الامام التي بنور ربها مضيئة .