<table class=picBorder height=200 cellSpacing=0 cellPadding=0 width=306 align=left bgColor=#ffffff border=0><tr><td vAlign=center align=middle width=305 height=200> </TD></TR></TABLE> | |
|
"انتهى بطش النظام الصداّمي وبدأت متاهة الفوضى، ومازال العراق غارقا في عنف ودماء، ولكن هل يبقى مثقفيه على غربتهم يجمعهم إحساس الحرمان بالمنافي فلا يلمسون تراب أوطانهم ولا يمدوه بإبداعهم".
كان هذا تعليق المطربة والفنانة العراقية "أنوار عبد الوهاب" التي وصلت إلى العراق بعد 17 سنة من الهجرة، لتقف على المسرح الوطني من جديد، لتشدوا بأغنياتها التي لا زالت محفوظة في قلوب العراقيين، أما المدهش حقا أن الشباب الصغير يعرفها جيدا وتواجدوا ليسمعوا جديدها.. القادم من الهواءصوت أنوار تشعر معه أنك أمام تجربة صوتية تأتيك من وراء جبال البعد والاضطهاد، وشيء ما بصوتها يذكرك بعايدة الأيوبي وحنان ماضي وهذه السلاسة الأشبه بطائر لا يستطيع مواجهة البطش ولا يستطيع العيش بجناح مكسور فيكون الهرب أو الانعزال داخل البيت هو الطريق.
تلمس ذلك عندما تسمعها تغني: "إني وحدي وأنت في غربة وحيد ..عندي صورة.. وصاحب الصورة ما هو موجود، كل ما يمر بي صبي أتخيله ساعي البريد"، وفي أخرى تمسك التفاصيل الأنثوية فتقول لحبيبها: "شعري أريد أقصه ليك قصة المودة ليتمايل كيف أنت تحبه"، ثم الأغنية الأشهر "عد وأنا أعد" والتي تدخل مع حبيبها في سباق وتحدى عن أيهما أكثر تألما بسنوات الفراق.
عندما عدت لأرشيف الصحف العراقية في فترة السبعينات وجدت تأثير الكلمات واضحا، فقد أطلقوا عليها عدة توصيفات مميزة منها "غيداء العراق"، "صوت الملائكة"، "سحر الانطلاق".. إلا أن أكثر الأوصاف طلاقة وجمالا هو ما قاله الناقد "حسن سرمك" بعد كل هذه الأعوام حيث قال أن "صوتها منبثق من الهواء تشعر بهذا وأنت تتابع حركة الشهيق والزفير التي تأتي انسيابية خلال غنائها".
ولم أستغرب حين علمت أنها هي صاحبة أغنية "اغضب"- التي غنتها أصالة فيما بعد-، والتي غنتها في منتصف السبعينات ولكن رفضتها السلطة وأوقفتها، وكأن الغضب غير مسموح لأي رجل داخل العراق حتى لو كان من حبيبته!، وفى لقاء معها في جريدة الصباح في أوائل التسعينات قالت أن احد المسئولين قابلها بعد سفرها وقال لها: "لا يصح أن تقول فتاة عراقية للرجال أنت كالأطفال"!!.
بطاقة للعودةلعل ما سبق هو أهم ما شدني في رحلة البحث داخلها، لكن تفاصيل الحياة الشخصية أيضا تضيف المزيد، فهي من مواليد مدينة الناصرية عام 1943 نشأت في بيت عاش على التمرد والرفض، فوالدها هو الكاتب الساخر عبد الجبار وهبي (أبو سعيد) الذي اغتيل عام 1963، وكان الزعيم العراقي عبد الكريم قاسم يعلق على كتاباته قائلا: "محاولات الاغتيال كلها تهون أمام رصاصات أبو سعيد".
اسمها الحقيقي نادية، أما أنوار فاختاره لها الملحن خالد الشطري، واختارت هي أن تقرن اسمها بالموسيقار محمد عبد الوهاب الذي كانت تعشقه وتؤدى الكثير من أدواره القديمة.
بدايتها الحقيقة كانت مع فريق للإنشاد، ثم سافرت إلى ألمانيا وهناك تعلمت الفن الأوبرالي، وهو ما يفسر هذه المساحات الواسعة في صوتها، وفى بداية السبعينات كان زواجها بالممثل والمخرج روميو يوسف، وكان أحد أعضاء فرق الشبيبة المسرحية التي التحقت بها بعض الوقت ثم اعتزلت التمثيل وقالت "صوتي هو أقرب أجزاء جسدي إلى نفسي".
وفى عام 1982 دبت خلافات كبيرة بينها وبين زوجها كما زادت مراقبة السلطة لها خاصة بعد أغنية اغضب، والتي لحنها لها جعفر حسن المغضوب عليه من السلطة، وجاءتها دعوة لإحياء إحدى الحفلات باسم العراق في الجزائر وسافرت بالفعل وأدت بصوتها، ولكن قررت الهرب من هناك إلى كندا، وقالت أن رجال من المخابرات تعرضوا لها حتى تأكدوا أنها اعتزلت الحياة ولا تتواصل مع أي جهات معارضة داخل وخارج العراق، وبدأت هناك حياة جديدة هادئة، وفى السنوات الأخيرة عاودها هواها وبدأت مرة أخرى الغناء.
صوت الغربةمع عودتها سألها أحد الصحفيين هل التقدم في العمر أم الغربة هي الأكثر تأثيرا في صوتها، وردت عليه قائلة: "شعور الغربة لست متفردة به لوحدي، بل هو حالة عامة شملت من كان خارج الوطن"، وأضافت: "كانت أيام محزنة وأنا أعتقد أن الغربة صنعت عناوين ستكون مدارس للإنسانية تعلمهم ماذا يعني (الإنسان العراقي) وكيف يتعامل مع واقع الغربة على أساس أنه سيبني وطنا وحضارة في داخله وهو بعيد في محنته".
مشيرة إلى الأمل لم ينقطع عن تفكيرها بأنها ستعود يوما إلى أحضان الوطن، وتواصل: "الأمل مغروس فينا لذا كان هذا زادي وأنا أعود محملة به بعد سبعة عشر عاما من النفي كان سببه موقفا سياسيا من خلال صوتي المعارض".
وتكمل: "كنت أحلم وأنا بعيدة عن وطني أن يأتي اليوم وأكون حرة وأقول (أنا عراقية) وهذا يكفي.. والآن اعتقد أن كتم الصوت لا تقدم العمر هو ما أثر على كثيراً